آراء

ولا تلقوا بأيديكم إِلى التهلكة

آية محكمة في كتاب الله؛ جهل معناها بعض المنحرفين فأولوها ووضعوها في غير موضوعها، منطلقين بها من قواعد فاسدة لإصدار أحكام ساقطة على طائفة انتصبت وحدها للدفاع عن أحد مقدسات الأمة وتحرير أرضها!

يقول هؤلاء: أوجب الله على المسلمين أن يبتعدوا عن إلقاء أنفسهم في التهلكة إذا ما كانت الحرب بينهم وبين عدوهم غير متكافئة في عتاد أو عدد! وعليه فكل من قاتل عدوا أكثر منه عددا أو عتادا، فقد خالف القرآن واستحق العقاب؟!

ألا والله ما أسعد الصهاينة بأمثال هؤلاء الفسدة وأقوالهم! ألا سحقا ثم سحقا ألف سحق على مثل هذه الأراجيف المثبطة، والأفكار المضللة، فلا نص ولا فهم ولا عقل ولا صمت!

كيف يقول مسلم هذا الكلام وهو يقرأ قول الله: (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ)

كيف يفهم هذا الفهم السقيم وهو يسمع الله يقول: (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ).

ثم كيف يفسر لنا خروج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لملاقاة عدوهم وقد كانوا أقل منهم بمراحل عتادا وعددا؟!

– في(بدر) كان المسلمون قريب الثلاثمائة، والمشركون ألفا منهم مائتا فارس.

– في (أحد) كانوا سبعمائة – بعد انسحاب المنافقين – والمشركون ثلاثة آلاف.

– في (الأحزاب) كانوا ثلاثة آلاف والمشركون عشرة!

ثم إن هذه الآية فسرها بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ولو سأل لعلم، فقد روى الترمذي عَنْ أَسْلَمَ أَبِي عِمْرَانَ قَالَ: (كُنَّا بِمَدِينَةِ الرُّومِ فَأَخْرَجُوا إِلَيْنَا صَفًّا عَظِيمًا مِنْ الرُّومِ، فَحَمَلَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى صَفِّ الرُّومِ حَتَّى دَخَلَ فِيهِمْ، فَصَاحَ النَّاسُ وَقَالُوا: سُبْحَانَ اللَّهِ ! يُلْقِي بِيَدَيْهِ إِلَى التَّهْلُكَةِ!

فَقَامَ أَبُو أَيُّوبَ الأَنْصَارِيُّ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّكُمْ تَتَأَوَّلُونَ هَذِهِ الآيَةَ هَذَا التَّأْوِيلَ، وَإِنَّمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةَ فِينَا مَعْشَرَ الأَنْصَار؛ لمَّا أَعَزَّ اللَّهُ الإِسْلامَ، وَكَثُرَ نَاصِرُوهُ، فَقَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ سِرًّا دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ أَمْوَالَنَا قَدْ ضَاعَتْ، وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعَزَّ الإِسْلامَ، وَكَثُرَ نَاصِرُوهُ، فَلَوْ أَقَمْنَا فِي أَمْوَالِنَا فَأَصْلَحْنَا مَا ضَاعَ مِنْهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرُدُّ عَلَيْنَا مَا قُلْنَا (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) فَكَانَتْ التَّهْلُكَةُ الإِقَامَةَ عَلَى الأَمْوَالِ وَإِصْلاحِهَا، وَتَرْكَنَا الْغَزْوَ) هذا هو معنى التهلكة الوارد في الآية!

إن البعض يتساهل في الحديث عن الله بغير علم، ولا يعلم أن هذا مورده المهالك فقد قال الله لنبيه: ﴿ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنزلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ﴾.

فبدأ بأصول المحرمات: الفواحش من الزنا واللواط وما شابهها، ثم ارتقى تدريجيا إلى الأشد فالأشد، فأعظم من الفواحش ﴿وَالإثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ إذ ضرره متعد على الغير.

وأشد خطرا منهما: ﴿وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنزلْ بِهِ سُلْطَانًا﴾وأخطر مما سبق: ﴿وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾

اللهم انصر أهلنا في فلسطين ومكّن لهم، وانصر من نصرهم، واخذل من خذلهم.

د. أحمد المحمدي – الشرق القطرية

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى