آراء

حتمية الأمل

قبل مائة عام.. تخرج عالم الاجتماع والاقتصاد السياسي السويدي «غونار ميردال» من كلية الحقوق بجامعة ستوكهولم عام 1923، وبعد نصف قرن فاز «ميردال» بجائزة نوبل في الاقتصاد. ومن المثير أن زوجته عالمة الاجتماع «ألفا ميردال»، والتي قامت بدور بارز في حركة نزع السلاح، قد حصلت هي الأخرى على جائزة نوبل للسلام، ليصبح الزوجان حائزين على الجائزة المرموقة.. في الاقتصاد والسلام.

عمل «غونار ميردال» أستاذاً في جامعة ستوكهولم، ومديراً لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام.. وحظيت إسهاماته الأكاديمية ورؤاه السياسية باهتمام كبير.
في عام 1968 ألّف ميردال كتابَه الشهير «الدراما الآسيوية.. بحث في فقر الأمم».. وهو الكتاب الذي تحدث فيه عن مفهوم «الدولة الرخوة».. والتي برأيه هي الحالة السائدة للسلطة والدولة في القارة الآسيوية.

يرى ميردال أن «الدولة الرخوة» هي حالة تجعل الدولةَ عاجزةً عن اتخاذ القرار، حيث تعلن خططها ولا تطبقها، كما أنها تفشل في فرض القانون والنظام، ذلك أن الدولة التي تقوم بوضع القوانين والتشريعات هي نفسها التي لا تحترمها ولا تقوم بتطبيقها، كما أن الجميع، وبناءً على عدم احترام الدولة للقانون، يفقدون احترامهم له، ويعملون من خارجه. في «الدولة الرخوة» وبناءً على ازدراء القانون، يتعاظم الفساد، وتسود الرشوة، وإذ يواصل الفساد الانتشار والتوغُّل من قطاع إلى آخر، فإنّ وصوله من السلطة التشريعية والتنفيذية، إلى القضاء والجامعات، يجعل منه «أسلوب حياة». كان ذلك التنظير لمصطلح «الدولة الرخوة» مفيداً للغاية، كما كان التحذير من خطورة عدم احترام الدولة للقانون، والذي يؤدي لعدم احترام الشعب له، تحذيراً جوهرياً، وبالتالي تنويراً جوهرياً بشأن الخروج من براثن الدولة الرخوة، والعودة لاحترام القانون.

لم يمنع ذلك التحليل المميّز للنوبلي «غونار ميردال» من الوقوع في خطأ فادح، إذْ قال بحتمية التخلف في آسيا، فأنصار التخلف، برأي ميردال، أقوى من أنصار التحديث، ومن المستحيل أن تشهد آسيا، تلك «القارة الرخوة»، موجة مؤثرة من التحديث والتنمية. لقد أخطأ «ميردال» في نبوءته، حيث انتقل جزء كبير من اقتصاد العالم من الغرب إلى الشرق، وبينما تراجعت أوروبا، احتلت الصين المركز الثاني واحتلت الهند المركز الخامس في العالم، كما صعدت اقتصادات إندونيسيا وماليزيا وسنغافورة وفيتنام، وبعد ما كان «ميردال» يتحدث عن الدولة الرخوة في آسيا، أصبح العالم يتحدث عن المعجزة الاقتصادية في آسيا.

كانت نبوءة «ميردال» محبطة للغاية، ولو أن أحداً استسلم لها لما خرجت آسيا من الفشل إلى النجاح، ومن الفقر إلى التنمية. وهو درس مهم لعدم الاستسلام للنبوءات السلبية، حتى لو كان أصحابها من حائزي نوبل أو كبار عقول العالم، فالسياسة هي فن الممكن، وأي سيناريو سيء يمكن إيقافه وتعديله. وإذا ما كان كتاب «ميردال» بمثابة صوت غير مشجع يقول بحتمية التخلف، فإن صوتنا يجب أن يصدح دائماً بحتمية الأمل.

أحمد المسلماني – كاتب مصري – صحيفة الاتحاد

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى