آراء

ضرورة إعادة قراءة التاريخ

ربما علينا أن نعيد قراءة التاريخ من جديد. وأعني تاريخنا في سياق تاريخ العالم. معظم ما لدينا من مخزون «محفوظات» في تاريخنا تم انتقاؤه وتلقيمه لنا طوال قرون، ولم نبحث أو ندقق أو حتى نعمل على تحقيق تاريخي منهجي مدروس ومنظم علمياً.

هذا كله يشكل، وعلى الدوام، تلك الخيبة التي نعيشها، باستحضار الماضي دوماً، وهو استحضار مفروز على اختيارات محددة يجعلنا لا نرى في ماضينا العربي القديم إلا حالة وردية خالية من العيوب. أما العيوب والسلبيات فنقفز فوقها بدون تمحيص، مع أن تلك السلبيات هي التي تؤنسن حالتنا مثل باقي البشر.

مشكلتنا هي أننا لا نزال مغرمين بالوقوف على الأطلال، ولا نزال نحارب كل من يدعو إلى رفض حالة الوقوف على الأطلال. في العصر العباسي كان هناك شاعر اسمه «أبونواس»، كان متمرداً ويحمل فلسفة عبثية لتكسير النسق الرتيب الذي بناه المتطرفون، وكان أول من سخر من الأطلال والوقوف عليها حين قال:

يا باكياً على رسم درس.
واقفاً، ما ضره لو جلس.
نحن لا نزال في القرن الواحد والعشرين نعمل على شيطنة أي «نواسي» يخرج محتجاً على الاتكاء على الماضي والوقوف عنده، واستحضاره كحل لأزماتنا المعاصرة.

قوى العتمة تحارب وترفض كتابات محمد عابد الجابري، والصادق النيهوم، ومحمد أركون وغيرهم من مفكرين لأنهم يجرحون ذلك التيبس في الوعي الجمعي، يفجرون الأسئلة الضرورية لكي نقف أمام أنفسنا ونفكر بتاريخنا كحالة إنسانية في سياق إنساني فيه أخطاء ضرورية وطبيعية.

نقرأ مثلاً تاريخ الحروب من زاوية أحادية ولا نؤنسن السياق التاريخي كما يجب وكما كان فعلاً، لذا نشعر بالصدمة حين نقرأ ذلك التاريخ في كتاب لأمين معلوف يواجهنا فيه برؤية سردية مختلفة ومتوازنة تضع هؤلاء البشر في مكانهم الصحيح لا في مصاف أنصاف الآلهة كما اعتدنا أن نتخيلهم.
الخيبة تتشكل حين نقارن في خيالنا الجمعي بين ما قرأناه «وابتلعناه» كمسلمات وبديهيات وبين واقعنا العربي المتأخر عن باقي الشعوب.

كل ما نحتاجه للخروج من هذه المتاهة ومضات وعي وصدمات استفاقة تجعلنا ندرك أننا مثل باقي شعوب الأرض، لنا ما لنا وعلينا ما علينا من مسؤوليات وأخطاء.
هذا كله لا يتأتى بدون مناهج معرفية حقيقية في المدارس والمعاهد والجامعات، مناهج بحث علمي في كل الحقول المعرفية التي تفيد الإنسانية. حتى التاريخ يمكن أن يكون مفيداً حين يتم تقديمه كحالة معرفية تفسر سياق الأحداث لا حالة اتكاء مريحة تتابع فيها سلسلة اعتباطية من الأحداث.
نعم، هناك تجارب عربية أثبتت حضورها بالعلم والمعرفة، وأدركت أن القوة ليست بالحجم ولا القدرة العسكرية بقدر ما هي قوة المعرفة والتثاقف المعرفي، وهذا التثاقف لا يكون فاعلاً بدون الاعتراف بالتكامل مع الآخرين، والتخلي عن لغة التفوق العنصري أو العرقي أو الديني.
نحتاج جداً أن نقرأ تاريخنا بشكل واعٍ لا تشوبه شوائب العجرفة الذاتية، وكل ما نحتاجه أحياناً ونحن نقرأ تاريخنا من جديد ممحاة.

مالك العثامنة – كاتب اردني – صحيفة الاتحاد

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



اسماء عثمان

محررة مسؤولة عن تغطية الأحداث الاجتماعية والثقافية، ، تغطي القضايا الاجتماعية والتعليمية مع اهتمام خاص بقضايا الأطفال والشباب.
زر الذهاب إلى الأعلى