الخطايا الحميدة…!

الثقافة الشعبية غالبا ما تزج بنا تجاه الشعور بالذنب المفرط بصدد الأخطاء التى نرتكبها سواء عن عمد أو دون قصد، وفي اللغة فـ “الخطايا” هي اسم جمع للخطيئة، والتعريف العام للكلمة يعنى ارتكاب الخطأ أو الوقوع في إثم ما أو انتاج أفعال سيئة وفقا للمعايير المجتمعية والأخلاقية المتعارف عليها، ولكن هناك أنواع من الخطأ يكون محمودا في موقعه، على سبيل المثال، الضعف السلوكى يعد خطأ، ولكن حين تبدوا ضعيفا مع من هم أضعف منك تصبح أكثر قوة، حين تطأطئ رأسك أمام والديك رغم توبيخهم لك وصراخهم في وجهك تصبح “بارا” بهما ولست ضعيفا أو هشا ولكن لو جاء رد فعلك هذا مع زميل أو شخص تجاوز معك فأنت شخص سلبي.

“الكذب” رغم أنه أبغض الصفات وأبشع السلوكيات إلا أن استخدامه في بعض المواقف قد يكون إيجابيا، كأن تضطر له حين تقوم بالصلح بي صديقين أو قريبين أو زوجين فالصلح في حد ذاته خير أكبر، حتى أن الثقافة الشعبية قامت بتلوين الكذب وأصبحوا يرون “كذبة بيضاء” وأخرى سوداء.

أن يضطر الطبيب للكذب على المريض حتى يحافظ على حالته النفسية ويصبح العلاج أيسر ومفعوله أسرع، فهو هنا يحافظ على حياة إنسان وهو أسمى هدف على هذه الأرض منذ أن وطأها آدم وحواء عليهما السلام.

“اللوم” هو عادة بغيضة وغير محببة وقد لا يطيقها البشر بفعل عوامل تكوينهم الحسي ولكن أعظم نفس كما يراها الخالق عز وجل هي النفس اللوامة، فالإنسان الذي يلوم نفسه كل يوم يجيد تقييم ذاته ومن ثم تقويمها، والتقويم يعني “التقييم مضافا إليه التصحيح أي دعم الإيجابيات والتخلص من السلبيات أو تقليصها”.

“الصراخ” في معناه المطلق غير مستحب وقد نهينا عنه حتى في حالات الموت والفقد، ولكن الصرخة التى تطلقها الحنجرة بفعل الكبت الداخلي والضغوط اللامتناهية تصبح نوعا من العلاج النسبي لتفريغ شحنات الغضب والأنين الدفين والذي ربما يتسبب في إنهاء حياة شخص ما وفقا لقدرته على التحمل، والصوت العالي غير مطلوب بوجه عام ولكن صيحات الحرية غالبا صوتها يصدح للسماء.

“حب النفس” قد يراها البعض في مواقف ما نوع من الأنانية وهي صفة غير حميدة فلم نخلق على كوكب الأرض ليدور كل فرد في فلكه وحول دائرة مصالحه تحقيقا لرغباته دون الأخذ في الإعتبار أى فرد آخر، ودون مراعاة لمعادلة التوازن العلائقي بين البشر “الأخذ والعطاء” وعدم المساس بحقوق الآخر أو إلحاق أية أضرار به، ولكن الحقيقة أنك إن لم تحب نفسك وتمنحها حقها في التقدير فلن يجيد أحد تقديرك ولن تقدر على حب الغير، وكما تقول عارضة الأزياء البرازيلية “جيزيل بوندشين”: إذا كنت سعيداً ستتمكن من أن تمنح السعادة للجميع، ولكن إن كنت لا تحب نفسك وغير راضي عنها فلا يمكنك أن تعطي أي شيء لغيرك

وأشار الروائي الإنجليزي “أوسكار وايلد” إلى هذا قائلا: حب الذات هو بداية قصة حب تدوم طوال العمر.

فلا أحد يمكنه أن يحسن معاملة من حوله ويمنحهم محبة واهتمام إذا كان لا يهتم بنفسه أولا فإن لنفسك عليك حقًا، فلا تهدره ولا تضع مفتاحك في جيب أحدهم وإن أدهشك ونال محبتك فقد لا يمكنك أن تسترده ثانية، وتأكد أن السعادة فعلًا أمر داخلي يمكنك من اقتناصها عنوة، فهي لا تمنح ولكنها قد تستحدث من عدم.

ولا تنسى أن الإنسان خطاء وخير الخطائين التوابون، وأننا لن نتحصل على دروسنا الحياتية إن لم نخضع لتجارب تتأرجح عادة بين الصواب والخطأ.

و”الأخطاء جزء من المستحقات التي يدفعها المرء نظير حياة حافلة” “صوفيا لورين”.

بينما رأى “فيودور دوستويفسكي”: “إن الحب غني عظيم يمكن أن يهب لنا الكون كله وأن يجعلنا نكفِّر لا عن خطايانا وحدها بل عن خطايا الآخرين أيضًا”.

وهذا يعني أن الحب معجزة يمكن أن تمحي الخطايا إلا أن شرقنا البائس يصنفه خطيئة مع سبق الإصرار والترصد، رغم أن عائشة رضي الله عنها روت عن الرسول (صلى الله عليه وسلم): اللَّهمَّ هذا قَسمي فيما أملِكُ، فلا تلُمْني فيما تملِكُ ولا أملِكُ– ويقصد قلبه وما يحمله من مشاعر.

د. هبة عبدالعزيز – بوابة الأهرام

Exit mobile version