آراء

في زمن اللا معقول

كأننا نشاهد عرضًا مسرحيًا يضاف إليه في كل يوم مشهد جديد يتطور السيناريو والحوار بحسب كل جديد ليتوافق مع مستجدات الوضع الحالي ومستحدثات العصر، العصر الذي يستعرض إمكاناته وقدراته دون مبالاة لمفهوم الإنسانية، وفي دعوة صريحة للانزلاق أكثر نحو الأسوأ مدعيًا أن هذا الذي يحدث إنما هو تطبيق فعلي لقوانين العولمة والمدنية الحديثة التي مكنته من الحديث باسمها، وباسم الحرية أصبح ينادي ويصول ويجول معربدًا في زمن اللامعقول.

كنت صغيرة جدًا وأنا أستمع لكبار أفراد عائلتي وهم يتحدثون في اجتماعاتهم في منزل العائلة كان حديثهم الممتلئ جدلًا عن زمن الفتن يتم تداوله فيما بينهم كأنه ورد يكررونه، يتساءلون هل الإنسان سيكون مسيرًا أو مخيرًا في تناول أحداث زمن الفتن، وهل سيعتادها ويستسلم لها أم أنه سيحارب سيئها ولا يعتنق تمردها وتسلسلها، تتعالى الأصوات، وتتناثر الكلمات في أرجاء المكان وتحكم الآراء المختلفة قبضتها ما بين مؤيد ومعارض وأنا أشعر أن كل ما يسردونه من حديث مطول ومتتالٍ في سهراتهم إنما هو شيء بعيد كل البعد عني وعن أيامي الآتية.

بدت واضحة وضوح الشمس في كبد السماء بدت قريبة اقتراب يد امتدت نحو صفحة نهر عذب المياه؛ كانت تعبره بقاربها البسيط راجية شربة ماء تروي بها ظمأها وسط كل هذا الجدب لتجده يتسرب من بين أصابعها وهي لاتدري بعد كيفية المحافظة على الأشياء من دون خسارتها في عالم اعتاد الاختفاء خلف كواليس مسرحه، عالم يباغتنا ويتفنن دونًا في ارتداء الأقنعة، عالم أجاد التلون وهو يدعي أنه مازال متمسكًا بصدقه والثبات على مبادئه وهذا بالطبع حديث هراء.

لم أكن أعلم أن الأيام والسنوات قد دخلت في السباق منذ لحظة استماعي واستيعابي لما كان يدور من حولي وبأن طبول حرب البقاء دخلت في حلبة معارك الإنسانية تصارعها وهي تجيد العزف والغناء على لحن مخالف لكل الأعراف والقوانين مبررة قسوتها بأن المعركة لن تعترف بمهادنة ولا تطبق سوى سيناريوهات شر تتجدد مع كل مطلع شمس دون وازع من ضمير دون خجل تعلن كذبها وتجاهر بأفعالها وتردد ذلك دون حياء.

أنقياء القلوب قد ملوا ورقيقو الإحساس قد ضجوا، لكنهم لم يمكنوا اليأس منهم لم يمكنوه من التغلب والسيطرة عليهم وهذا نابع من صدق إيمانهم بقدرة رب السماء الذي تمتد يداه بالرحمات والبركات في أحلك الظروف تنادينا كلماته للتمسك بقانون واحد سينجينا جميعًا إنه فقط قانون التراحم والإخاء.

وفاء أنور – بوابة الأهرام

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى