تحقيقات وتقارير

“التطبيع الناعم” بين السعودية وإسرائيل.. ماذا يعني؟

“عملية تسويق لعلاقة متنامية”، عبارة يعتقد أستاذ العلوم السياسية بالجامعة العبرية في القدس، مئير مصري، أنها تصف زيارة وزير السياحة الإسرائيلي، حاييم كاتس، إلى السعودية، علما بأنها الأولى على هذا المستوى، إلا أنها جاءت بعد سلسلة خطوات وإجراءات اعتبرت بمثابة خرق على صعيد العلاقات بين البلدين.

والثلاثاء، وصل وزير السياحة الإسرائيلي إلى المملكة للمشاركة في حدث لمنظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة بحسب السلطات الإسرائيلية، في وقت تسعى كل من الدولتين لتطبيع علاقاتهما بوساطة أميركية.

وردا على سؤال حول ما إذا كانت هذه الزيارة بمثابة تطبيع ناعم، يقول مصري إنها “لإقناع الرأي العام بضرورة التطبيع”، مع تأكيده التام على أن السعودية وإسرائيل “تجاوزتا هذه المرحلة”.

وأوضح، في حديث لموقع “الحرة”، إنه “بالإضافة للزيارات الرسمية وانعكاساتها على فرص التطبيع، السعودية فتحت مجالها الجوي للطيران الإسرائيلي، فضلا عن تنقيح خطب الجمعة من العبارات المعادية لليهود وحذف مصطلح العدو الصهيوني من المناهج التعليمية”.

وبالفعل، شهدت السعودية تغيرات غير مسبوقة، ومنها تعديلات حصلت بمناهج التعليم، حيث تم حذف الأمثلة السلبية التي تتعلق باليهود والصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وفقا لتقرير مطول نشرته شبكة “سي أن أن”، نشر في يونيو 2023.

ووجد تقرير من معهد مراقبة السلام والتسامح الثقافي في التعليم المدرسي (IMPACT-se)، الذي يراقب بشكل أساسي كيفية تصوير إسرائيل واليهود في نصوص التعليم، أن “جميع الأمثلة تقريبا التي تصور المسيحيين واليهود بطريقة سلبية” تمت إزالتها من أحدث الكتب المدرسية السعودية، بناء على الاتجاهات التي شوهدت في السنوات السابقة.

كما قامت السلطات السعودية في يوليو الماضي، بفتح الأجواء أمام الطائرات الإسرائيلية، الأمر الذي اعتبر حينها مؤشرا جديدا على الانفتاح، بحسب فرانس برس.

في المقابل، يرفض المحلل السياسي السعودي، مبارك آل عاتي، وضع زيارة الوزير الإسرائيلي إلى المملكة ضمن سياق المفاوضات الجارية، معتبرا أنها “تأتي ضمن مؤتمر يجمع وزراء وشخصيات مختلفة، والمملكة تستضيف على أراضيها هذا النوع من الفعاليات”.

وحول طبيعة هذه الزيارة التي تصنف الأولى بتاريخ البلدين والتي قد تعتبر جزءا لا يتجزأ من خطوات أخرى قامت بها الرياض، يشدد آل عاتي على أن “محادثات التطبيع هي أمر معلن وواضح”.

وأضاف آل عاتي، في حديثه لموقع “الحرة”، إن “الأمر واضح، وسمو ولي العهد أوضح أن التفاوض بين السعودية من جانب والولايات المتحدة وإسرائيل من جانب آخر يسير باتجاهه وكل يوم نقترب، وهذا معلن”.

وتأتي زيارة الوزير الإسرائيلي في وقت تكتسب فيه المحادثات بشأن توقيع اتفاق تطبيع بين إسرائيل والسعودية زخما ملحوظا، وفي اليوم نفسه لإرسال السعودية وفدا إلى الأراضي الفلسطينية لتقديم أوراق اعتماد سفير غير مقيم.

وقبل زيارة الوزير الإسرائيلي بأيام، شارك وفد إسرائيلي باجتماع لليونسكو في السعودية، وقبل ذلك أيضا بنحو شهرين شارك فريق إسرائيلي بمسابقة دولية لألعاب الفيديو في الرياض.

وفي 11 سبتمبر عبرت السلطات الإسرائيلية عن سعادتها بتواجد وفد حكومي في السعودية لحضور اجتماع لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) في الرياض، معتبرة أنها خطوة أولى على طريق التطبيع بين البلدين.

وفي يوليو الماضي، شارك منتخب إسرائيلي بـ”موسم الغيمرز”، وهي فعالية تختص بألعاب الفيديو، انطلقت حينها في العاصمة السعودية الرياض، بحسب وسائل إعلام إسرائيلية.

ولدى سؤاله عن تزامن هذه الزيارات مع تصريحات معلنة لولي العهد السعودي ورئيس الوزراء الإسرائيلي بشأن التطبيع، يتمسك المحلل السعودي بأن بلاده “تتفاوض مع الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل بشكل واضح تحت أشعة الشمس، ولم تخف ذلك، لكنها وضعت مطالب وشروط تحفظ حقوق الأطراف العربية السعودية والفلسطينية والمنطقة (…) وإذا قبل الطرف الثاني بذلك فالسعودية جاهزة للتطبيع”.

وأشار إلى أن “السعودية لديها رؤية سياسية واضحة (…) ومشاريع اقتصادية كبيرة قائمة على الانفتاح والتعاون مع الجميع وتحقيق النماء والرخاء والأمن في المنطقة”.

بدوره، علّق رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، على الزيارة الرسمية للسعودية قائلا: “”بالأمس وصل وزير إسرائيلي صديقنا، حاييم كاتس، إلى السعودية، وقريبا ستكون هناك زيارات أخرى أيضا”.

وقال نتانياهو عن مشاركته في الجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع الماضي “كان لي اجتماع مهم للغاية مع الرئيس بايدن، حيث ركزنا بشكل أساسي على توسيع دائرة السلام (…) نحو الاتفاق مع السعودية”.

وأكد أن إسرائيل تعمل جاهدة مع الولايات المتحدة للتوصل إلى اتفاق من شأنه أن “يعيد تشكيل المنطقة بشكل كبير”.

وهنا، يرى مصري أن “هناك رؤية استراتيجية جديدة في الخليج تؤمن بحل المشاكل وتصفية القضايا العالقة من خلال الاتصال المباشر (…) وذلك في تناقض واضح مع أسطوانة الممانعة وسياسة التمرد على الواقع من خلال إشعال النيران في كل مكان”.

وأضاف: “في السابق، كانت عقيدة إسرائيل الاستراتيجية مبنية على نظرية ضرورة الالتفاف على دول الجوار العربي من خلال بناء تحالفات مع بلدان ما كان يسمى بالحزام الثاني (..) أما اليوم فأصبح العالم العربي هو الحاضنة الإقليمية لإسرائيل في مواجهة مخاطر باتت تحدق بالجميع”.

وتابع: “لقد تبدلت الظروف وساهمت دول الخليج الصاعدة، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، في إحداث انقلاب كامل في المفاهيم وفي التوازنات بالمنطقة”.

وفي سياق متصل، أكدت وزارة الخارجية الأميركية، الثلاثاء، أن المطالب السعودية والفلسطينية فيما يخص أي “اتفاق نهائي” بين الرياض وإسرائيل أصرت على أن “عنصرا فلسطينيا مهما” يجب أن يكون حاضرا في أي اتفاق تطبيع محتمل.

وأشار المتحدث باسم الوزارة، ماثيو ميلر، ردا على سؤال لمراسل “الحرة” إلى أن “الرئيس الأميركي ووزير الخارجية قضيا وقتا مهما بالعمل على موضوع التطبيع” بين السعودية وإسرائيل.

وكشف ميلر أن محادثات الرئيس الأميركي، جو بايدن، مع نتانياهو، في نيويورك، الأسبوع الماضي، تطرقت أيضا إلى الموضوع.

وأضاف ميلر “أحد الأشياء التي سمعناها في انخراطنا مع الفلسطينيين والتي أبلغناها نيابة عنهم إلى نظرائنا الإسرائيليين هو أنه يجب أن يكون هناك عنصر فلسطيني مهم في أي اتفاق نهائي”، مؤكدا “لقد أوضحت حكومة المملكة العربية السعودية ذلك علنا وأوضحته لنا سرا..ومن المؤكد أن هذه قضية مطروحة على الطاولة”.

وفي 20 سبتمبر، أكد ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، في مقابلة مع شبكة “فوكس نيوز”، أن الاتفاق “يقترب”. وردا على سؤال بهذا الشأن، قال: “كل يوم نقترب أكثر”.

الحرة

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى