أخبار

اشتباكات بورتسودان تزيد القلق من تفجر الأوضاع في المدينة

يتصاعد القلق في السودان من فتح احتمالات تفجر الأوضاع في مدينة بورتسودان شرق البلاد، بعد اندلاع اشتباكات مسلحة محدودة، بين الجيش السوداني ومليشيا مسلحة، في المدينة الاستراتيجية.
وكانت اشتباكات قد وقعت أمس بين الجيش ومليشيا تتبع للقائد القبلي شيبة ضرار، وذلك بعد أن حاول عناصر من المليشيا إقامة حواجز في وسط المدينة لتفتيش سيارات الإغاثة التي ترد للسودان عبر موانئ على البحر الأحمر، وذلك بحجة أنّ بعضها لا يحمل أوراقاً رسمية، عدا عن حجز بعض السيارات.
وأثارت هذه الحادثة غضب الجيش الذي هاجم تلك الحواجز وسط تبادل لإطلاق النار استمر لدقائق، ما أثار هلع المواطنين، قبل أن يعود الهدوء إلى المدينة في بقية ساعات الليل، وتعود الأوضاع لطبيعتها بالكامل اليوم الثلاثاء.
ويقود شيبة ضرار الذي منح نفسه رتبة فريق تحالفاً باسم تحالف حركات شرق السودان، ويمتلك قوة لا تتعدى العشرات من المسلحين وعدداً قليلاً من السيارات العسكرية، وأنشأ المليشيا في السنوات الأخيرة في إطار حراك شعبي في شرق السودان لتحقيق مطالب تاريخية في الإقليم الذي عاني من التهميش السياسي والتنموي.
وعمل ضرار الذي ظل في حالة تهديد مستمر بالحرب مع قوى أخرى في شرق السودان في أشهر الاحتجاجات ضد حكومة عبد الله حمدوك التي طالبت بإغلاق الموانئ البحرية السودانية والطرق البرية وخط السكة حديد ومطار مدينة بورتسودان، من أجل إسقاط الحكومة، وذلك بدعم من العسكر، كما تذهب عديد من التفسيرات، الذين جعلوا من ذلك الإغلاق واحد من أسباب انقلابهم في 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 .
بعد اندلاع الحرب في الخرطوم ومدن سودانية أخرى بين الجيش وقوات الدعم السريع في أبريل/ نيسان الماضي، لم تتأثر مدينة بورتسودان المطلة على ساحل البحر الأحمر بالحرب، وسارعت في الأيام الأولى مجموعة من قوات الدعم السريع الموجودة هناك إلى تسليم أسلحتها والانضمام للجيش، بينما هربت مجموعة أخرى منها وانضمت للقتال في الخرطوم.
ومع اشتداد حدة المعارك في الخرطوم وتعطل العمل في مؤسسات الدولة، قررت سلطة قائد الجيش الجنرال عبد الفتاح البرهان تحويل بورتسودان عاصمة إدارية للبلاد، وانتقل إليها في البداية عدد من المسؤولين في الدولة في مقدمتهم القائم بأعمال رئيس الوزراء حسين عثمان، ووزير المالية جبريل إبراهيم، وعضو مجلس السيادة الفريق إبراهيم جابر، ووزير الخارجية علي الصادق.
كذلك انتقلت إلى المدينة البعثات الدبلوماسية ومكاتب المنظمات الدولية، قبل أن يلتحق البرهان في 27 أغسطس/ آب الماضي لممارسة مهامه السيادية من هناك، وذلك بعد أكثر من 4 أشهر من قيادته العمليات العسكرية من مقر قيادة الجيش بوسط الخرطوم.

وعدّت قوات الدعم السريع حينها خروج البرهان وتوجهه إلى مدينة بورتسودان هروباً من أرض المعركة، وهددت بملاحقته في المدينة، فيما بث قائد قوات الدعم السريع الجنرال محمد حمدان دقلو مقطعاً صوتياً، حذر فيه البرهان من الإقدام على تشكيل حكومة جديدة يكون مقرها بورتسودان، ولوح بتشكيل حكومة موازية يكون مقرها الخرطوم التي تسيطر قواته على أجزاء واسعة منها.
قبل تحولها لعاصمة إدارية، لم تخل المدينة الساحلية من الاحتقانات الأمنية، وشهدت في مناسبتين اشتباكات قبلية أودت بحياة عشرات الأشخاص، وبعثت اشتباكات مساء أمس القلاقل من جديد بتفجر الأوضاع مرة أخرى، ولو مع أطراف مختلفة.
لا سبيل لمنع تمدد الحرب شرقاً
وفي هذا السياق، قال أسامة سعيد الناطق الرسمي باسم “الجبهة الثورية”، وهي تحالف لأحزاب سياسية وحركات مسلحة، ويشغل في الوقت ذاته منصب رئيس حزب مؤتمر “البجا”، إنه “لا سبيل لمنع الفوضى وتمدد الحرب شرقاً إلا بوقف الحرب نفسها والذهاب دون تردد نحو التفاوض بنية الاتفاق”.
وأشار سعيد خلال حديث مع “العربي الجديد” إلى أن “شرق السودان قضية قديمة قدم التأسيس الخاطئ للدولة السودانية، وحلها يكون بحل أزمة السودان الكلية بقيام حوار وطني شامل يفضي لعقد اجتماعي جديد وسلطة مدنية ديمقراطية كاملة”.
وبحسب سعيد فإنه “من الخطأ الإصرار على تأسيس سلطة غير متفق عليها وتشكيل حكومة في بورتسودان من الفلول والفاسدين لقطع الطريق أمام أي تسوية سياسية قادمة تهدف لوقف وإنهاء الحرب”، ودعا كل القوى السياسية والمدنية والأهلية بشرق السودان للعمل على نزع فتيل الفتنة ومنع حدوث أي اختلالات أمنية يكون المتضرر الأول منها هو “شعب شرق السودان لا غيره”.

مؤشرات خطيرة
أما عضو المكتب السياسي لـ”حزب الأمة القومي” أمام الحلو، فيرى أن ما جرى في بورتسودان من اشتباكات “كانت محصورة جداً قال فيها شيبة ضرار كلمته بينما لم يصدر تصريح من الجيش حتى الآن”.
وأوضح الحلو في حديث لـ”العربي الجديد” أن الحادث ورغم محدوديته، فإنه يعطي مؤشرات خطيرة من بينها انتشار السلاح في أيدي غير القوات النظامية، ويوضح بجلاء كثافة السيولة الأمنية في البلاد عقب حرب أبريل/ نيسان.
وأضاف “إذا لم يتم تدارك أسباب الحرب، فإنها ستهدد وحدة السودان، شماله وجنوبه غربه وشرقه.. ستمدد الحرب بعد أن كانت في الخرطوم ودارفور إلى مدن اخرى مثل بورتسودان وغيرها، وستزيد وتيرة التدخل الخارجي، لا سيما في شرق السودان وسواحل البحر الأحمر التي تتسابق نحوها طمعاً قوى إقليمية ودولية”.
ودعا إلى تشكيل جبهة مدنية موحدة تمثل كل القوى السياسية والمجتمعية مهمتها محاصرة الحرب وإيقافها بجهد وطني خالص يعالج آثار الحرب الإنسانية والدمار والخراب الذي خلفته.

“حميدتي جديد” في شرق السودان
بدوره، يقارن الصحافي المقيم بمدينة بورتسودان إيهاب نصر، علاقة شيبة ضرار بقوات الدعم السريع من جهة، وعلاقته بالجيش من جهة أخرى، ويقول إن “العلاقتين بدأتا سمن على عسل قبل الحرب وانتهت دما ودموع في الأولى (مع الدعم السريع)، وكذلك العلاقة بين الجيش وشيبة تبدو جيدة لكن في طريقها للتوتر والانهيار الآن”.
وأعرب نصر عن خشيته، خلال حديث مع “العربي الجديد”، من تحول ضرار إلى حميدتي جديد في شرق السودان، موضحاً أن ما حدث من إطلاق نار على الرغم من فترته الزمنية المحدودة وقع في أكثر المناطق كثافة سكانية في المدينة، ما يعني تعريض المدنيين للخطر تماماً كما حدث في الخرطوم.
وشدد على أهمية حسم أي فوضى وإنهاء أي مظاهر مسلحة خارج نطاق القانون و”الاتعاظ” من تجربة الخرطوم، بحيث لا يكون هناك جيش في المدينة إلا الجيش الواحد.
ويستبعد الخبير الأمني خالد عبيد الله حدوث أي خلل أمني في شرق السودان عامة ومدينة بورتسودان خاصة، مقللاً من أهمية ما حدث بالأمس، وقائلاً “كان بالإمكان تجاوز ذلك بشكل أكثر حكمة من استخدام العنف”.
كذلك استبعد عبيد الله في حديث مع “العربي الجديد” قدرة قوات الدعم السريع على استغلال أي خلل أمني والوصول لسواحل البحر الأحمر، مبيناً أن قوات الدعم السريع لن تغامر بالخروج من الخرطوم والتوجه حتى إلى ولايتي الجزيرة ونهر النيل المتاخمتين للخرطوم “لأنها تعلم علم اليقين أن أي تحرك خارج الخرطوم سيجعل منها لقمة سائغة للجيش السوداني”.

العربي الجديد

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى