حوادث

الأم المفجوعة: لا شوفتك عروسة ولا دكتورة يا قلبى

خرجت الفتاتان «سلمى» و«زينب»، بالصف الأول الثانوى، من منزلهما إلى درس الكيمياء، وأثناء سيرهما بطريق ترعة الإسماعيلية أمام قرية أبوشنب بالخانكة فى القليوبية، إذا بسائق يدهس الفتاتين لتتوجه إلى هناك والدة إحداهما وترى صغيرتها ملقاة على الأرض غارقة فى دمائها، والثانية تحملها سيارة الإسعاف للتو، والكشاكيل المكتوبة عليها اسم ابنتها متبوعًا بلقب «دكتورة»، كما كان طموحها لتصرخ الأم «لا شوفتك عروسة ولا دكتورة يا قلبى.. هتروحى تحت
التراب».

من وسط صفوف المعزيات، تقول «نجوى»، والدة «سلمى»: «خرجت اشتغل عشانك.. رُحت مصانع لآخر الدنيا.. قولتيلى عايزة أكون دكتورة قلت لكِ: وماله.. يعنى اللى بقوا دكاترة أحسن منك فى إيه؟!.. ساعدت أبوكى المزارع البسيط عشانك.. يا بنتى يا وحيدتى يا صديقتى وأختى وأَحَنّ حد علىَّ.. فى الآخر سواق متهور يموتك يدهسك ويجرى؟!».

قبل مضى «سلمى» إلى درسها، ارتدت أفضل ما عندها من ملابس، وقالت لوالديها: «مش عايزاكم تزعلوا منى.. عشان حِمل الدرس الخصوصية، وإنى بدأتها بدرى.. هعوضكم وأكون أكبر دكتورة فى القرية، والكشف هيكون ببلاش للناس الغلابة»، ووفق أمها لم تمر سوى ربع الساعة «وجه لنا خبرها، الأهالى كلهم حضروا لبيتنا قالولى روحى شوفى البنت عربية ضربتهم عند طريق الموت.. فضلت أصرخ وأقول يا رب استرها. الطريق ده شر.. لقيتها ميتة وجنب منها كشاكيل الحصة وعليها مكتوب (دكتورة سلمى).. يا قلبى راحت قرة عينى دكتورة المستقبل».

«أبوسلمى» يشير إلى تشقق يديه لكثرة الشقاء: «بطلع النخل، وماكنتش مخليها عايزة حاجة، قلت دى البنت الوحيدة اللى عندى، أتمنى اشوفها دكتورة وعروسة قد الدنيا»، ويجهش بالبكاء، وحوله يلتف الرجال وسط العزاء «شد حيلك»، ويقول لهم: «فى الآخر دفنتها فى التراب.. عشان طريق الموت.. لا أحد يهتم به، كل يوم تلو الآخر عربية تدهس شخصًا.. لا كوبرى علوى ولا ضبط للسيارات المتهورة.. لازم القرية يكون فيها كوبرى لإنقاذ الأرواح»، ويؤيد مطلبه الأهالى: «بنخاف على عيالنا، وبنفضل حاطين إيدينا على قلوبنا لحد رجوعهم، وكثيرًا ما يموت أطفال وكبار سن أثناء مرورهم من الطريق».

لا يستطيع أحد التحدث إلى والدة «زينب»، الضحية الثانية، والتى تصرخ «رُحتى فين يا بنتى؟».. وترد على نفسها: «وديتك لقبرك»، وتسأل: «يا حبيبتى لبستى فستان الفرح الأبيض؟!»، وتجيب: «ارتديتى
الكفن ودفنتك».

هكذا كان حالها، تعيد الكلمات دون ملل أو تغير، وإلى جوارها زوجها الدموع تسبق كلامه: «بنتى كان نفسها تطلع دكتورة زى صديقتها، أحلامهما كانت واحدة، قلت لها يا حبيبتى إحنا مش قد الثانوية العامة ولا مصاريفها، قالتلى: (يا بابا هرفع راسك)، وحينها لم أرد لها طلبًا لأنها كانت من المتفوقين».

الأب يتذكر قبل خروج ابنته إلى الدرس، وتحضيرها له وجبة الغداء، وقولها: «اسمك يا بابا هيكون قد الدنيا»، احتضنها، وقال: «ربنا يوفقك يا حبيبتى»، فاستعجلته صاحبة الـ15 عامًا: «هقابل (سلمى) وهنروح الدرس.. وعند الكوبرى فى واحدة صديقتنا هتنتظرنا»، وتروى والدة المجنى عليهما: «العربية دهست (زينب) و(سلمى)، وماتتا على الفور، وفقدنا زهرتين.. وزميلتهما الثالثة أُصيبت».

شهود العيان أكدوا أن السائق المتهور سلم نفسه إلى أجهزة الأمن، التى قدمته إلى النيابة العامة، وتم حبسه احتياطيًّا، وأُخذت عينة من دمائه لتحليلها وبيان تعاطيه مواد مخدرة من عدمه، كما أمرت النيابة بالتحفظ على «الميكروباص» وفحصه من قِبَل خبير فنى لبيان سبب وقوع الحادث.

صحيفة المصري اليوم

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى