تحقيقات وتقارير

السودان.. مشهد أسود وحلول غائبة

تتفاقم الأزمة الإنسانية والصحية في السودان مع دخول الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شهره الخامس، حيث يواجه ملايين السودانيين خطر المجاعة والأوبئة، فضلاً عن مخاطر السيول والفيضانات مع اقتراب فصل الخريف، الذي يصاحبه عادة هطول غزير للأمطار في السودان.

وبحسب الأمم المتحدة يعاني السكان في الداخل من نفاد الغذاء ويموت بعضهم بسبب غياب الرعاية الصحية، كما أن تمدد الصراع وتعقده يجعل من الصعوبة إنقاذ الموسم الزراعي في السودان.
وقالت المنظمة الدولية للهجرة إن الحرب تسببت في فرار مليون و17 ألفاً و449 شخصاً من السودان إلى الدول المجاورة خلال الأشهر الأربعة الماضية، في حين يُقدر عدد النازحين داخل السودان بثلاثة ملايين و433 ألفاً و25 شخصاً.

ويواجه الملايين الذين بقوا في الخرطوم ومدن بمنطقتي دارفور وكردفان عمليات نهب على نطاق واسع، وانقطاعات طويلة الأمد للكهرباء والاتصالات والمياه، وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى مقتل ما يزيد على أربعة آلاف شخص.

كما تشير إلى أن الأمطار الموسمية، التي تزيد من مخاطر الإصابة بالأمراض المنقولة عن طريق المياه، دمرت منازل ما يصل إلى 13500 شخص أو ألحقت أضراراً بها.

في اتصال مع 24 يقول الناشط في المجال الإنساني والحقوقي بكر عثمان، إن “هناك أرقاماً كارثية عن انتشار الملاريا والتيفوئيد والحصبة والإسهال المائي واليرقان، مشيراً إلى أن هذه الكوارث لم تتسبب بها الحرب وحدها، بل انعدام البنية التحتية الصحية والبيئية وغياب والإرادة الحكومية القوية لمواجهة هذه الأزمات منذ عشرات السنين”.

وأضاف أن “صحة البيئة مهددة بسبب القمامة التي لا يتم جمعها في القرى والمدن الكبيرة، وأن الذباب والبعوض والناقلات لهذه الأمراض، قد تجعل حصيلة المصابين بهذه الأمراض كارثية”.

وقال عثمان إن “الحرب مندلعة في سبع ولايات أساسية، خمس منها في دارفور (جنوب وغرب وشرق ووسط وشمال)، وولاية شمال كردفان والعاصمة الخرطوم، والمرشح أن تكون هناك كارثة بيئية فيها بشكل أكبر، حتى أن الأجهزة الحكومية العاملة في المجال البيئي معطلة بسبب النزاع المسلح”.

ويشير الناشط الحقوقي إلى أن “الجثامين الملقاة في الشوارع منذ منتصف أبريل (نيسان) الماضي، والتي لم يتسن جمعها تحللت ونتج عنها أمراض ستفاقم من هذه الكارثة البيئية، والأمراض المنقولة”.

وأوضح عثمان أن “العاصمة الخرطوم التي يسكنها 11 مليون سوداني يمثلون نحو ربع سكان الدولة، تحولت إلى مكب نفايات ضخم جداً”، مشيراً إلى أن “المنظمات الدولية تحاول جاهدة تلافي هذا الخطر لكن جهدها ليس كافياً، لأن الانتشار الأفقي والجغرافي كبير وهذا سيمهد لانتشار الأوبئة، إضافة إلى أن كل المؤسسات المعنية بالصحة لا تعمل بطاقتها القصوى، ما يفاقم الوضع سوءاً”.
وبحسب منظمة “أنقذوا الأطفال”، فإن الصراع في السودان يهدد بجعل 1.5 مليون طفل فريسة للجوع بحلول سبتمبر (أيلول)، كما أن هناك ثمانية ملايين طفل يعانون من الجوع حالياً في البلاد.

ويشير الناشط عثمان، إلى أن “أكثر من 34% من مجمل السكان بالسودان مهددون بالمجاعة، لافتاً إلى أن هناك نذر مجاعة بادية”.

ويقول لـ24: “منظمة الزراعة التابعة للأمم المتحدة تتحرك لمحاولة إنقاذ الموسم الزراعي بعد أن بدأ بداية متخبطة، ولم يستعد المزارعون والحكومة للاستفادة من الأمطار باعتبار أن معظم الزراعة في السودان زراعة مطرية”.

وأضاف الناشط الحقوقي “الأمن الغذائي في السودان سيكون في خطر بالغ، والسيناريو الحتمي هو وقوع مجاعة ستكون الأخطر في تاريخ السودان الحديث”، مشيراً إلى أن “السودان شهد مجاعة عام 1988 وأخرى في التسعينيات”.

وتابع: “البنك الزراعي لا يعمل بالطاقة القصوى لدعم المزارعين، والأسعار أصبحت مرتفعة للوقود والماكينات الزراعية، وهذه تسبب مشكلة كبيرة، وأتوقع أن الحكومة السودانية ستوجه نداء لجميع المنظمات والدول لمحاولة دعمها في توفير الغذاء للسودانيين، لكن لا أتوقع أن تستطيع المنظمات الدولية والإغاثية أن تغطي الفجوة الكبيرة في الأمن الغذائي”.

وأوضح أن “المجاعة جغرافياً ستكون مركزة في ولايات دارفور الخمسة، وفي ولاية جنوب وغرب كردفان وولاية الخرطوم، والقضارف وهي 8 ولايات من أصل 18 ولاية سودانية”.

ولفت عثمان إلى أن “الغضارف منطقة زراعية كبيرة وكذلك دارفور”، مشيراً إلى أن “النزاع في دارفور تعقد وتوسع، والموسم الزراعي هناك سيكون ضئيلاً بسبب انعدام الأمن بشكل تام”.

من جهته وفي حديث لـ 24 يرى الخبير بالشؤون الإفريقية رمضان قرني، أن “جميع المؤشرات والدلائل تشير إلى أن الصراع لن ينتهي قريباً، على الرغم من جميع المعطيات الكارثية بشأن الأوضاع الصحية والإنسانية والاقتصادية للسودانيين”.

وقال قرني إن “تحليل مجريات العملية السياسية في السودان يكشف عن اتجاه الصراع للمعادلة الصفرية، ومن يتابع الخطاب السياسي للطرفين يجد تمسك كل طرف بمواقفه، وحرص كل طرف على الحصول على أعلى درجة من المكاسب السياسية والأمنية والاقتصادية”.

وأضاف “ذهبت الأمور نحو حالة التأزيم التي نحن بصددها حالياً، وأخطر ما في الأمر الوضع الإنساني والصحي والاقتصادي والمعيشي، بل إن الأخطر الحديث عن جرائم الاغتصاب والعنف الجنسي بدرجة كبيرة، إذ أوصلت الأزمة المجتمع السوداني ليصبح مجتمعاً من المهاجرين واللاجئين والنازحين”.

وحول مستقبل المبادرات التي انطلقت بشأن إنهاء الأزمة، قال الخبير في الشؤون الإفريقية، إن “لدينا ثلاثة مسارات دبلوماسية للتعامل مع الأزمة، مسار جدة ومسار القاهرة ومسار إيغاد”، مشيراً إلى أن “كل مسار منها يشمل نقاطاً إيجابية، لكنه يصطدم بتعنت الجانبين من جهة، وبعض الإجراءات التنفيذية المتعلقة بمقترحات ومخرجات كل مسار”.

وأشار قرني إلى أن “هذه المسارات انضم إليها مسار أوروبي”، وقال إنه “تضمن نصوصاً مهمة، مثل الوقف الفوري للقتال والحديث عن الفصل بين القوات بوساطة مراقبة دولية إقليمية، وتحدث عن إرسال قوات إقليمية ودمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة للدولة، والدعوة للدخول في عملية سياسية شاملة”.

ويختم قرني حديثه بالقول إنه ” على الرغم من وجاهة بعض ما جاء في هذه المبادرة، إلا أنها أيضاً قوبلت برفض من الجيش وقوات الدعم السريع، وبالتالي نحن أمام تعدد في المسارات والواقع يقول إن القضية الأهم على الأرض وقف العمليات العسكرية ودخول المساعدات الإنسانية، وضمان السلامة للمواطنين في ظل العنف المستمر”. “أخبار24”

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى