منوعات وفنون

حكايات من الواقع.. حبيبتي وسنوات السفر!

ما بين الأمل والقدرة على تحقيقه تكمن الإرادة ومساحات الجهد فى مواجهة الواقع والصراع مع العقبات وتجاوزها نحو هدف واحد لا بديل عنه، ذلك الهدف هو ما جعلنى أترك الإنسانة الوحيدة التى أحببتها وأسافر، كان يقينى أن السفر سوف يحقق لى الأمل الذى أعيش من أجله أن أبنى بيتا يجمعنى بحبيبتى وحلم عمرى وأهيئ لها حياة كريمة بعيدا عن معاناة الفقر الذى ولدنا فيه واستقينا شظفه واتفقنا على أن نسعى لبناء مستقبل مختلف لا يعانى فيه أولادنا كما عانينا نحن نوفر لهم كل احتياجاتهم ونمهد لهم مستقبلا أفضل ولم يكن أمامى غير السفر مع وعد من حبيبتى أن تنتظرنى عائدا إليها بالحلم وقد تحقق وبات واقعا علينا أن نعيشه سويا.

ولكن ليست كل الأحلام تتحقق وما قد يكون حلما فى وقت ما يصح أن لا يساوى شيئا فى وقت آخر وذلك ما واجهته فى حياتى بعد بضع سنوات كافحتها شقاء وأملا، اغترابا ويقينا أن السعادة حتما قادمة وما إن قدمت بلدى وآنست إلى حلم عمرى حتى انقشعت ظلمة الخيالات ورأيت الواقع جليا، مؤلما، يجتاحنى كالنار تسرى فى الهشيم توشك أن تقضى على!

لم تكن حبيبتى فى انتظارى، نسيت حلمنا وراحت تبحث لها عن واقع آخر لم يكن لى وجود فيه عندما طلبت منى فى آخر مكالمة بيننا أن لا نتحدث ثانية قلت فى نفسى إن المحادثات بيننا تعذبها اشتياقا واغترابا وآثرت أن أبقى شهورا لا أسمع فيها صوتها حتى اقترب الرحيل وحققت ما أردناه لمستقبل حياتنا، طلبتها أزف لها عودتى فلم تكن على الطرف الآخر، راح رقمها لشخص آخر وراحت هى فى مجهول لم أدرك قسوته إلا بعودتى، رأيتها أخيرا فى عصمة رجل غيرى، لم تكن هى من أحببت، الملامح تداخلت خيوطا عنكبوتية متشابكة ونظراتها تائهة لا تعى حقيقة وجودى إلا أننى لم أحاول أن أفهم حتى أعذارها ولا ضغوط أمها عليها ولا حتى فكرة خوف أسرتها من عنوستها وانعدام الأمل فى عودتى وإن عدت أعود منكسرا غير مؤهل للزواج .. وأمام صدمتى لم أفكر إلا فى العودة من حيث أتيت لعل الحلم مازال قائما لم يكتمل وأن غفوتى امتدت نعاسا ثقيلا أحاطنى بكابوس مرعب لابد وأن أفيق منه استكمالا لمشوار عمرى والعودة مجددا وساعتها حتما ستكون حبيبتى فى انتظارى، تعبر سنوات السفر والألم والغربة على جسر من واقع جديد يمتد بنا إلى حياة ليس فيها غدر أوخيانة .

رفقا بنفسك يا ولدى فليس كل ما يتمناه الفرد يدركه وما كانت الحياة جنة تدنو منا ثمارها لا يبقى غير أن نقطفها ولكنها شجرة عالية لابد لنا من أن نتسلقها ونسعى للوصول إلى ثمرها اجتهادا وقدرا وأنت يا ولدى اجتهدت فى حبك وعملك وتسلقت الشجرة ولكن لم تكن هناك ثمرة لك وهذا قدر الله وحكمته لعل نصيبك من الدنيا مازال ينتظرك ولكن على الجانب الآخر من أحلامك أعماك الصراع مع الدنيا أن تراه أو تشعر به وإن كانت حبيبتك قد قررت أن تغادر حلمك لواقع أقرب لها بزواج سريع وأيا كان عذرها مبررا منطقيا كان أو أقوى منها ففى النهاية هى لم تحبك حقا حتى تتمسك بك انتظارا وشوقا ولعل أحاسيسا وهمية جمعت بينكما بغير أساس سليم جعلت من صرح الحب قصرا من رمال على شاطئ حياتكما سرعان ما تهاوى مع أول موجة عاتية من واقع أتى بك من سنوات سفر حلمية ليبعث روحك بواقع جديد أنت فيه أكثر ثباتا وقوة ومشاعرك أقرب إلى الواقع منها إلى الخيال واعلم يا ولدى أن الحياة لا تتوقف طالما تدب فيك الروح فلا تجعل من تجربة مضت بكل آلامها سورا عاليا يحجبك عن الدنيا يائسا محبطا فمازلت قادرا على الحياة والحب سواء سافرت ثانية أو بقيت فى بلدك لأنك قد ملكت زمام نفسك وقلبك .

تذكر يا ولدى قول الله تعالى فى كتابه الكريم {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} ﴿الروم 21).

وفى هذه الآية نبراس حياة متكاملة لفهم حكمة العلاقة الحقيقية بين الرجل والمرأة وكيف أن الحب الحقيقى مفتاح السر فيه بضع كلمات تنحصر فى قيمة السكن والمودة والرحمة ولعل من تقدم لك هذه القيم الثلاث قريبة منك فابحث عنها بدلا من جلد نفسك والبكاء على لبن مسكوب انعدمت قيمته .

خالد حسن النقيب – “بوابة الأهرام”

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى