تحقيقات وتقارير

السودان ـ الحرب تهدد بأزمة عالمية في إنتاج المشروبات الغازية!

يعد الصمغ العربي عنصرا رئيسيا في صناعات عديدة خاصة المشروبات الغازية. ويستحوذ السودان على حوالي 70% من تجارته العالمية، لكن الصراع الحالي عرقل تصدير هذه المادة، ما يؤثر على الصناعات المعتمدة عليه ويتسبب في أزمة إنتاج.

يدخل الصمغ العربي المستخرج من شجرة السنط (الأكاسيا) والمعروف اختصارا بـ “إي 414” في صناعات رئيسية من الأدوية إلى تلميع الأحذية والحلويات ومستحضرات التجميل وحتى المشروبات الغازية فيما استعمله المصريون القدماء في أغراض تحنيط الموميات.

وفي صناعة المشروبات الغازية ، تلعب مادة الصمغ العربي دورا رئيسيا في ربط السكر بالمشروب ومنع تمركزه في القاع أو تبلوره. ويعد السودان منتجا رئيسيا للصمغ العربي على مستوى العالم ما جعله يشكل مصدر رزق للسودانيين الذين يعتمدون عليه بشكل مباشر وغير مباشر كمصدر للدخل. وعرقل اتساع القتال في السودان بين قوات الجيش وقوات الدعم السريع، استمرار الصادرات السودانية بما في صادرات الصمغ العربي حيث يشكل إنتاج البلاد من هذه المادة 70 ٪ من إجمالي الصادرات العالمية.

وتبلغ قيمة الصادرات السودانية من الصمغ العربي بلغت 111 مليون دولار (99 مليون يورو) عام 2021 مما يجعله ثاني أكبر مصدر لهذه المادة على مستوى العالم فيما كانت فرنسا والولايات المتحدة وألمانيا في صدارة الدول المستوردة.

وفي مقابلة مع DW، قال الصحافي السوداني حسين علي إن “استمرار الحرب يعني توقف تصدير الصمغ العربي وهو ما قد يتسبب في أزمة للشركات الكبرى. وفي حالة استمرار القتال لفترة طويلة، فإن الاحتياطيات الاستراتيجية لهذه الشركات سوف تنفد”. ويعتمد العديد من السودانيين على تجارة الصمغ العربي كمصدر للدخل، لكن منذ اندلاع الاشتباكات في أبريل / نيسان الماضي أصبح الأمر أكثر صعوبة ما يعني التأثير المباشر على معظم أشكال التجارة والاقتصاد في ثالث أكبر بلد في القارة السمراء.

من جانبه، حذر الدكتور أبو القاسم سيف الدين، الرئيس السابق لهيئة البحوث الزراعية السودانية، من تداعيات الصراع على إنتاج السودان من الصمغ العربي. وفي مقابلة مع DW، أضاف “يعد الصمغ العربي محصولا هاما للسودان حيث يحتل المرتبة الثانية أو الثالثة من حيث الأهمية حسب قائمة الصادرات”.

يأتي الصمغ العربي في شكل عصارة صلبة تستخرج من أشجار الأكاسيا أو السنط التي تنمو في المناطق القاحلة وشبه القاحلة خاصة في منطقة الساحل فيما تشتهر المنطقة التي تمتد من إقليم دارفور في غرب البلاد على الحدود مع تشاد، إلى ولاية القضارف في شرقها قرب الحدود مع إثيوبيا، باسم “حزام الصمغ العربي”

وعندما تتضرر أشجار الأكاسيا سواء بسبب الحرائق أو الحشرات أو لأسباب أخرى، فإنها تتفاعل لإنتاج الصمغ بهدف إغلاق المسام المكشوفة لتجنب تبخر الماء بسبب ارتفاع درجات الحرارة فيما يساعد الصمغ أشجار السنط بشكل رئيسي في الحفاظ على محتواها المائي اللازم لبقائها في المناطق الجافة.

يوجد نوعان من الصمغ العربي هما أكاسيا السنغال وأكاسيا سيال، ويحتل الأول مرتبة كبيرة نظرا لقدرته على الذوبان في الماء بسهولة فيما ينمو بشكل أساسي في السودان. ومن أجل استخراج الصمغ العربي، يقوم المزارعون بعمل شق في شجرة الأكاسيا في عملية يُطلق عليها اسم “التفريغ” حيث يتسرب الصمغ ويجف عندما يلامس الهواء وأشعة الشمس فيقوم المزارعون بجمع الصمغ بعد أسابيع قليلة بشكل متكرر خلال موسم الحصاد.

أشار أبو القاسم سيف الدين إلى أن العديد من المزارعين ما زالوا يستخدمون أدوات يدوية بدائية لاستخراج كميات قليلة من الصمغ تصل إلى 250 جراما من كل شجرة. وعقب جمع الصمغ، يتم فرزه وتنظيفه ثم بيعه للتجار ليصل في نهاية المطاف إلى شركات التصنيع والتصدير التي تقوم بمعالجته من خلال المعالجة الحرارية لتشكيل صمغ الأكاسيا المجفف.

يدخل الصمغ العربي في صناعات عديدة بداية من العلكة ومرورا بصناعات المنسوجات والمواد اللاصقة والطلاء ومستحضرات التجميل والأدوية وحتى الصناعات الغذائية والمشروبات الغازية. تعتمد هذه الصناعات بشكل كبير على الصمغ العربي كمضاف غذائي عضوي وكمصدر للألياف الحيوية خاصة أنه لا يغير الخصائص الأصلية للأطعمة لذا يدخل في صناعة الحلويات والصلصات والمرق ومنتجات المخابز ومنتجات الألبان ومنتجات المشروبات الغازية.

ولذلك تعد مادة الصمغ العربي هامة لكبرى شركات انتاج المشروبات الغازية لا سيما كوكا اكولا و بيبسي لأنه يعمل على ربط السكر بالمشروب لذا يعد مكونا رئيسيا ما يعني وقف تصدير السودان للصمغ العربي قد يمثل معضلة لهذه الشركات.

ولم ترد شركة كوكاكولا على استفسارات DW. تكمن أهمية الصمغ العربي الاقتصادية في كونه بقي معفى من العقوبات الاقتصادية التي فُرضت الولايات المتحدة على السودان على مدى عقود في ظل حكم الرئيس المخلوع عمر البشير منذ تسعينات القرن الماضي. وفي تعليقها، قالت الجمعية الدولية للترويج للصمغ ومقرها هامبورغ إن أعضاء الجمعية “يراقبون التطورات عن كثب مع شركائهم المحليين ويأملون في إيجاد حل سلمي قريبا بما يمهد الطريق أمام عودة سوق صمغ الأكاسيا الذي يعد مصدرا أساسيا للدخل لسكان الريف السوداني، إلى طبيعته في هذا البلد”.

بدوره، قال أبو القاسم سيف الدين إن الوضع يزداد صعوبة بالنسبة لكثير من المزارعين السودانيين، مضيفا “سوف يتأثر إنتاج الصمغ العربي لأن المزارعين لن يكونوا قادرين سواء على الذهاب إلى الحقول أو التصدير أو للبيع أو حتى للتنظيف مما يعني أن التجار قد يعجزون عن تنظيف الصمغ وتعبئته قبل نقله إلى ميناء بورتسودان.”

وبحسب وكالة الصحافة الفرنسية، فإن خمسة ملايين شخص في السودان كانوا يعتاشون من الصمغ العربي قبل بدء القتال بين الجيش والدعم السريع، فيما انخفضت أسعار الصمغ في السودان في الوقت الراهن إلى النصف خاصة مع مغادرة الأجانب الذين كانوا يشترونه.

“dw.com”

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى