تحقيقات وتقارير

العنصرية في العالم .. كيف ظهرت؟ ومن المسؤول عنها؟

للعنصرية تاريخ طويل في المجتمعات البشرية، وهي تنطوي على فكرة أن مجموعة من الناس أفضل من غيرهم، ولاتزال الفكرة مستمرة في مجتمعاتنا المعاصرة على الرغم من محاولات استئصالها وتأصيل فكرة المساواة بين البشر.

وفي تصريحات لموقع الحرة، قال أستاذ علم الاجتماع الأردني، الدكتور حسين الخزاعي، إن العنصرية في أبسط تعاريفها هي التعصب إلى العرق أو السلالة أو الدين أو العشيرة أو القبلية، والتعامل مع الآخرين بدونية وعزلهم وإهمالهم اجتماعيا والتقليل من شأنهم.

وينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن “جميع البشر يولدون أحرارا ومتساوين في الكرامة والحقوق، وأن لكل فرد الحق في جميع الحقوق والحريات المنصوص عليها، دون تمييز من أي نوع، لاسيما بسبب العرق أو اللون أو الموطن الأصلي”.

ومبادئ المساواة وعدم التمييز منصوص عليها في صميم القانون الدولي الحديث، وبالإضافة إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وميثاق الأمم المتحدة، فإنها منصوص عليها في العهدين الدوليين الأساسيين لحقوق الإنسان بشأن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والعهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، وعشرات الاتفاقيات والمعاهدات والإعلانات الأخرى.

ورغم ذلك، تقول الأمم المتحدة إن كثيرين في كل أرجاء العالم يعانون مظالم العنصرية وما تستتبعه من وصم، مما يجعل مكافحة العنصرية والتمييز العنصري ضرورة ملحة.

وتعرف الموسوعة البريطانية العنصرية على أنها الاعتقاد بتقسيم البشر إلى كيانات بيولوجية منفصلة تسمى “الأعراق” وأن هناك علاقة بين السمات الجسدية الموروثة وسمات الشخصية والفكر والأخلاق. وفي هذا السياق، تتفوق بعض الأعراق بالفطرة على غيرها.

ويُطبق المصطلح أيضا على المؤسسات والأنظمة السياسية أو الاقتصادية أو القانونية التي تميز على أساس العرق وتعزز عدم المساواة العرقية في الثروة والدخل والتعليم والرعاية الصحية والحقوق المدنية وغيرها من المجالات.

وتقول لجنة حقوق الإنسان الأسترالية إنها تحدث عندما لا تكون الأنظمة والسياسات والأيديولوجيات منصفة تجاه أعراق بعينها، ويحدث ذلك على شكل مضايقة أو إساءة أو إذلال أو عنف أو تخويف سواء على مستوى الأفراد أو المؤسسات.
من يغذيها؟

تقول الموسوعة البريطانية إن بعض الأنظمة تستغل العنصرية لصالحها.

وعلى سبيل المثال، استغل النازيون في ألمانيا، بعد هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الأولى، معاداة السامية المتأصلة في البلاد، فبعد أن استولى الحزب النازي على السلطة، عام 1933، شرع في التمييز ضد واضطهاد وقتل اليهود في ألمانيا والأراضي المحتلة.

وفي أميركا الشمالية، خلال القرن الـ18، تم فصل السود والبيض عن بعضها البعض، وكان للفئتين مجتمعاتهم الخاصة، مثل الكنائس والمدارس والمستشفيات، وكانت فكرة التزاوج بينهما غير مقبولة.

وفي أميركيا الشمالية، تم إطلاق فكرة الاختلافات بين الأعراق لفصل الأشخاص من أصل أوروبي والمنحدرين من أصل أفريقي لاستعباد الفئة الأخيرة، وفق الموسوعة.

ومن خلال تصويرهم على أنهم بشر أقل قيمة، حاول أنصار العبودية تبرير نظام الاستعباد، وهو ما أدى لاحقا إلى ظهور الحركات المناهضة له.

وتقول مجلة “ديسنت ماغازين” اليسارية الأميركية إن العنصرية في الولايات المتحدة لا تتعلق بالمواقف والتحيز الفردي بشكل أساسي، بل تتعلق بالانقسامات التي نشأت منذ فترة طويلة بسبب الاستغلال السياسي للأشخاص المنحدرين من أصل أفريقي وغيرهم لصالح الرأسماليين البيض.

وعانى السكان الأصليون في قارة أستراليا ويلات العنصرية مع بدء الاستعمار الأوروبي في عام 1788. وتقول لجنة حقوق الإنسان الأسترالية إن العنصرية التي خلفها الاستعمار والمعتقدات التي تقوم عليها لاتزال مستمرة في تشكيل المجتمع الأسترالي في عالم اليوم.

وتقول الموسوعة البريطانية إنه في القرن الـ19 انتشرت العنصرية حول العالم، حيث تم تقسيم المجتمعات إلى أعراق “عليا ودنيا” خاصة في الأماكن المستعمرة، وأصبح التمييز ضدهم شائعا، وظهرت تعبيرات التفوق العنصري التي صاحبت الاستعمار وهو ما أثار استياء وعداء الذين خضعوا للاستعمار وهي مشاعر استمرت حتى بعد الاستقلال.

ومنذ منتصف القرن العشرين، ظهرت العديد من النزاعات حول العالم مصبوغة بمصطلحات عنصرية مثل النزاعات بين العرب واليهود، والإنكليز والأيرلنديين، على سبيل المثال.

ومع إثارة العنصرية مشاعر الكراهية وعدم الثقة، بدأت معظم المجتمعات تدرك أنها ممارسة خائطة وشرعت في مكافحتها في السياسات العامة، وهو ما مهد لظهور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي أقرته الأمم المتحدة عام 1948.

لكن على الرغم من التدابير الدستورية والقانونية التي تهدف إلى حماية حقوق الأعراق المختلفة، ظلت العديد من المعتقدات والممارسات العنصرية شائعة في القرن الحادي والعشرين.

وبشرح تيري غيفينز في كتابه “جذور العنصرية” الصادر في عام 2022 كيف أثرت سياسات التفوق الأبيض على السياسة الأوروبية والأميركية، وربط بين سياسة الهجرة والعنصرية التي ساهمت في صعود الأحزاب اليمينية المعادية للمهاجرين في أوروبا والولايات المتحدة والتصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

وتتغير العنصرية مع الوقت والمكان، ويمكن أن تؤثر على المجتمعات المختلفة بطرق مختلفة في لحظات تاريخية مختلفة، ومثال على ذلك، حدوث الارتفاع المفاجئ في العنصرية تجاه الآسيويين، خلال جائحة كوفيد، في العديد من دول العالم.

وفي مايو 2022، أصدرت وزارة العدل الأميركية تقريرا رصد زيادة جرائم الكراهية ضد المجتمعات الملونة خلال الجائحة، خاصة الأميركيين من أصول آسيوية.
ويورد موقع المنظمة الاسترالية بعض الأسباب التي تؤدي إلى ظور مشاعر العنصرية بين البشر.

ومن أهمها تأثير الناس من حولنا، إذ أن آراءنا تتشكل من الناس الذين نعيش معهم، مثل الأصدقاء والأسرة، كما أننا نفضل الاختلاط بالناس من يشبهوننا، أي لديهم نفس الاهتمامات والثقافة واللغة، وهو ما يخلق إحساسا بالانتماء لكنه قد يقودنا إلى الاعتقاد بأن مجموعتنا العرقية أفضل من غيرها.

كما أننا أيضا سريعون في الحكم، ووضع أحكام مسبقة على الأشخاص ورسم صور نمطية عنهم، مثلما نقول إن أشخاصا بعينهم “كسالى” أو “أذكياء” أو”لصوص” أو “قطاع طرق”.

وقد يكون السبب الرغبة في لوم الآخرين على مشكلاتنا عندما نشعر بالغضب أو الإحباط، ويكون الأشخاص الذين يتحدثون بطريقة مختلفة هدفا سهلا، ويمكن سماع ذلك في تعليقات مثل “هؤلاء الأشخاص يأخذون وظائفنا” أو “يحصلون على معونات حكومية طوال الوقت”.

ويشير الخزاعي إلى مشكلة تنشئة الأبناء في الأسرة والمدارس والجامعات على حب الذات والانتماء للعشيرة أو الدين أو العرق أو السلاسة على حساب الآخرين.
كيف يمكن مواجهتها؟

ويعتقد خبراء بصعوبة استئصال العنصرية، وقدرة القوانين على تغيير العقول.. ويدعون إلى زيادة الوعي بين الناس باحترام الاختلافات.

وتقول منظمة “يونيسيف” إنه يمكن مواجهة العنصرية بإظهار الدعم للمجموعات العرقية المختلفة في المجتمعات، من خلال عقد اجتماعات ومؤتمرات داعمة لهم، سواء في المنظمات المحلية ودور العبادة التي تجمع الناس معا.

وتؤكد أهمية تعليم الأطفال أنها ممارسات خائطة، وأن التحيز والكراهية ليست فطرية بل سلوكيات مكتسبة وتقبل فكرة الاختلاف وأننا جميعا بشر ولنا جميعا الحق في الشعور بالأمان والتقدير.

ويقول الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش: “حيثما نرى العنصرية، فيجب أن ندينها دون تحفظ، ودون تردد، ودون شروط”.

وينصح الخزاعي بتغليط العقوبة على كل من يمارس العنصرية في المجتمعات.

ويشير إلى ضرورة عدم قصر التوظيف في الشركات والمؤسسات على سلالة معينة، ويطالب بمراعاة الدمج المجتمعي والعمل التنموي لجميع أبناء المجتمع وعدم التخندق وراء السلالة أو العرق أو الدين.
“الحرة”

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى