تحقيقات وتقارير

في الذكرى الرابعة للسادس من أبريل كيف وصل الثوار للقيادة؟.. السؤال المتجدد

نهار السادس من ابريل من عام ٢٠١٩م، زحف الثوار صوب القيادة العامة للجيش السوداني ليسطروا تاريخاً يضاف للتواريخ الخالدة، وكتبوا نهاية نظام الانقاذ بعد ثلاثين عاماً من حكمها، بعد الثورة التي تفجرت لزيادة سعر قطعة الخبز وافضت لهيجان شعبي وثورة عارمة على الأوضاع الاقتصادية، واصطحبت معها تراجع الخدمات وكبت الحريات. واليوم بعد مضي أربعة أعوام على تلك الذكرى تتبادر الى الاذهان اسئلة مهمة، لعل ابرزها: هل خرجت الثورة للاصلاح ام انها قبرت الدولة؟ .. (الانتباهة) استطلعت ثواراً ومسؤولين لمعرفة قراءاتهم بعد مرور اربعة اعوام.

إحياء ذكرى وتراجع

في العام الماضي تجمع الآلاف من المتظاهرين في العاصمة والولايات وهم يحملون الأعلام السودانية وصور شهداء الثورة، ورددوا هتافاتها وأناشيدها الخالدة: (حرية سلام وعدالة والثورة خيار الشعب، الثورة ثورة شعب والعسكر للثكنات)، كما أحرقوا إطارات السيارات القديمة وأغلقوا بعض الطرقات إحياءً لذكرى السادس من أبريل، وسبق ذلك عدد من المواكب الدعائية، غير ان هذا العام لم يشهد ذات الطقوس للاحتفاء بتاريخ سطر ملحمة ثورية وانهى حقبة حكم دامت ثلاثين عاماً، مما جعل مساحات التساؤل تتمدد، ومنها: هل اصابت الناس قناعة بأن الثورة لم تأتِ بالغايات المنشودة ام انها تكتيكات؟

الناطق الرسمى لاعلان مبادئ ديسمبر الطيب محمد صالح يقول في حديثه لـ (الانتباهة) انه من المعلوم ان الثورات تمر بمراحل تبدأ بالانتفاضة، ثم تنزل هذه الموجة وتأتي اخرى مثل هذه المرحلة التي تمر بها البلاد الآن، حيث كان الجميع في بدايات الثورة متوحدين بهدف اسقاط النظام، وبعد ذلك علت لغة التشرذم والتخوين وتعددت الأجسام، غير ان محدثي يصف ذلك بالطبيعي لكل الثورات، ويتابع في افادته ويقول: (ان المرحلة الثالثة هي البحث عن قيادة الثورة لتحقيق المطالب، وهذا ما نحن عليه، وهي مرحلة النضوج الفكري للثوار).

ويرفض الطيب الاتهامات بتراجع (نفس) الثورة، ويرى انها موجودة ومتجسدة في كل الثوار، مشيراً الى ان احياء الذكرى ليس بالخروج للشارع، بل يمكن العمل عليها من داخل المؤسسات بالكوميديا والموسيقى وغيرها، وأردف قائلاً: (الثورة الآن في أقوى أوقاتها وهذا ما يؤكد وجود المطالب ومازالت الهمة موجودة، كما لا أعتقد أنه حال حدوث اية عملية سياسية او اتفاق ان يوقف ذلك الثورة ويجعل الثوار ينظرون خارج الاطار المعلن عن الاهداف المنشودة بعمق استراتيجي، ولا بد من تحقيق المطالب، والانتفاضة الشعبية لا تصنع بلداً بل تصنع أشخاصاً، والآن الثورة تبحث عن قيادتها).

كيف وصلوا إلى القيادة؟

وبالعودة إلى تفاصيل (6) أبريل وكيفية وصول الثوار الى محيط القيادة كثرت القصص المنسوجة ما بين الحقيقة والشائعات، حيث ان هنالك من يعتبرون أن مبدأ (الكثرة غلبت الشجاعة) كان سبباً رئيساً، ولكن بعض الاصوات تميل لروايات عنصر خفي او اتهام جهات امنية بالاستجابة لمطالب الثوار وفتح الطريق المؤدي للحلم.

وهنا يعود الناطق الرسمي لإعلان مبادئ ديسمبر الطيب صالح لـ (الانتباهة) ويسرد تفاصيل جديدة بقوله ان كل ثائر لديه قصة مختلفة للوصول القيادة، لأن الولوج اليها جاء من اتجاهات مختلفة وكل ما هو موجود في الذاكرة لا ينسى، وأضاف قائلاً: (كان دخولنا عن طريق مستشفى جعفر بن عوف المنطقة المركزية، حيث وجدنا مقاومة قوية جداً قبل الدخول، وكان عددنا كبيراً جداً، وبعد تلك المقاومة مع القوات الأمنية واصابة احد الثوار وصلنا إلى محيط القيادة العامة، ووجدنا مجموعة اخرى من القوات قامت بحماية الثوار، وفي ذلك اليوم اعتقد أن كل سوداني قلبه على هذا البلد بكى سواء كان من الثوار او العسكريين، والمشاهد كثيرة، وبالنسبة لنا سيظل ذلك اليوم يوماً خالداً في ذاكرتنا).

وهناك عدد من الثوار استطلعتهم (الانتباهة) ذهبوا الى ان كثرة العدد ومقاومة السلطات الامنية كانت سبباً رئيساً للوصول لـمحيط القيادة بفعل العزيمة والارادة.

تبخر وتعقيد

بينما يؤكد المحلل السياسي احمد عابدين وجود فرضية مساعدة جهات أمنية دون تسميتها اسهمت بسرعة في وصول الثائرين لمحيط القيادة العامة، مما جعل القوات المسلحة تنحاز للشعب، واستبشر السودانيون خيراً بعهد جديد وتحقيق شعارات التغيير.

وبحسب المحلل السياسي احمد عابدين فإنه بعد مرور أربعة أعوام على ذكرى أبريل ازداد الوضع تعقيداً وتبخرت أحلام الأجيال بوطن حر ديمقراطي، وأضاف محدثي قائلاً: (لأن السودانيين لا يقرأون التاريخ فإن نسخ التجارب السابقة خيم على امانيهم، ليصطدموا بواقع أمر وقوى مدنية هي الأسوأ على مر التاريخ، أضاعت الوقت كما اضاعته سابقاتها في التناحر والتنافس، لنقف الآن وتقف قوى الثورة في محطة الحزبية والايديولوجيا والمغانم)، وأضاف عابدين ان هنالك فصلاً خطيراً وشاقاً ينتظر البلاد والعباد ما لم يتدارك القادة السودانيون الأمر ويسعوا للتنازل ووقف طبول الصراع الذي هو الآن أقرب من أي وقت مضى، مشيراً الى أن عملية التغيير تمر بمنعطف خطير بسبب غياب العقلاء والحكماء، حيث ان الكل يسعى للانتقام، الامر الذي قد يفضي لتمزق البلاد وتحطيم الآمال بوطن مستقر وفترة انتقالية ميسرة.

ويشير عابدين الى ان شعارات الثورة تظل مرفوعة طالما تتطلب قيماً نبيلة، ولكنها ستعاني جراء ما جرى خلال السنوات الاربع الماضية، حيث اضمحلت النفوس وهزمتها الفوضى ولغة الخطاب الحاد والتخطيط، فلا فساد حسم ولا قانون طبق ولا حريات تناصت ولا سلام مشى بين الناس بصورة حقيقية، وصرح قائلاً: (أتمنى أن يغلق الثوار الماضي ويقبلوا على خريطة طريق جديدة تعالج أخطاء التاريخ في الممارسة والمواقف من المطلوبات التي توفر الإجماع وليس التناحر).

الحشد الكبير

بينما يقول الخبير الأمني خالد محمد عبيد الله ان ذكرى السادس من أبريل تمثل ذاكرة للشعب السوداني وجاءت بعد حكم نميري، ويقول لـ (الانتباهة): (اختلفنا او اتفقنا معه كانت فترة حافلة بالتنمية وختمها العسكري دون غيره من رؤساء الاحزاب السياسية التي تدعي حقها في الدفاع عن الدين وشرع الله، وسماها الصادق المهدي الامام قوانين سبتمبر، وغادر النميري السلطة بعد إعلان الشريعة الإسلامية، ثم تكرر المشهد ذاته في عام ٢٠١٩م، وتظل ذاكرة الشعب السوداني ببوصلتها الثَرية مع مارس شهر الكوارث وابريل شهر الانتفاضات، وتعتبر ثورة ديسمبر مستمرة).

وعن كيفية دخول الثوار في القيادة العامة يقول العبيد: (قد يدعي احدهم بانه هيأ المشهد ليتم الدخول داخل أسوار القيادة العامة ولكنها الثورة، وهذا الحشد الكبير هو ما دفع الشباب في ظل القمع الامني والشرطي للوصول إلى القيادة العامة، فضلاً عن الحماية التي قدمها لهم الجيش). وعن تراجع الثورة ارجع محدثي ذلك لتدخل الحرية والتغيير بمسميات ثورية اختطفت ثورة الشباب وجرفتها نحو الحزبية والسياسة التي لن تقودنا إلى (حرية وسلام وعدالة).

ولا يخفى على أحد ان ما تمر به البلاد من أزمات أدت إلى خروج الملايين رفضاً لذلك، فثورة ديسمبر المجيد مستمرة في كل الحالات ولكن قل عدد الثوار، فمنهم من تحطمت أحلامهم ومنهم من غادر البلاد، غير ان هنالك آخرين متمسكون بمتطلباتهم.

ومرت ذكرى التاسع عشر من ديسمبر، فكانت الجموع عادية جداً، ثم اعقبتها ذكرى أبريل التي تمر وليست كسابقتها، حيث خمول عام يسيطر على الثوار، فالذي شاهد جموع أبريل في عام ٢٠١٩م لن يصدق ما وصلت إليه الثورة الآن، فكثيرون يتوقعون ان لم تغلق القوات النظامية الطرقات فلن تخرج تلك الجموع السابقة، ولكن القيادي بالحزب الشيوعي كمال كرار يقول لـ (الانتباهة): (ان هنالك أوجه شبه بين ابريل عام ٢٠١٩ وابريل الآن)، مشيراً الى ان هذا العام يشهد الذكرى الرابعة للثورة مع وجود نفس الزخم والقوة، بحسب ما ذكر.

وأضاف كرار قائلاً: (الجمرة لم تنطفئ بعد، ومازالت الشعارات نفسها موجودة، واوجه الشبه بين هذا وذاك أن تلك الأيام كانت تشهد نظاماً عسكرياً والآن النظام كذلك، كما أن هناك أشخاصاً كانوا يبحثون عن التسوية والآن موجودون ايضاً ولكن الثورة انتصرت عليهم)، ويضيف كرار ان هنالك جزءاً من القوى الثورية التي كانت في الشارع تبحث عن الشراكة والتسوية غير انها ابتعدت عن الشارع، بينما هنالك قوى كانت في الرصيف اضحت الآن مع الثوار. ومضى قائلاً: (على الرغم من ان قوى التسوية تتبع للمكون العسكري الا أن قوى الشعب لا تقارن بها وحتما سيسقط الانقلاب)، مشيراً إلى أن التدخل الأجنبي الذي وصفه بالكبير في الشؤون الداخلية للسودان يظل في إطار المحاولة لتسوية الثورة التي لن تنجح بحسب تعبيره.

وعن تراجع الثورة وانعدام الحماس والروح الثورية وسط الثوار يقول كرار: (التكتيكات الآن مختلفة، وليس لدينا اي ثائر سيذهب الى القيادة او مقر القوات الأمنية، بل يتجه نحو القصر ولن نعود الى محيط القيادة لأن الجيش ليس لديه مغزى)، وأردف قائلاً: (اذا كان هناك ترتيب سيكون انتزاع مؤسسات الدولة والقصر الجمهوري، والثورة لم ولن تتراجع، ومن يقول ذلك يرى بعيون العسكريين).

تقرير : خديجة الرحيمة

الانتباهة

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى