تحقيقات وتقارير

الخرطوم تُغلق غداً إغلاق الأقاليم.. ابتزاز أم عرض مطالب؟

أفرز الاتفاق الاطاري الموقع بين المدنيين والعسكريين في الخامس من ديسمبر المنصرم واقعاً سياسياً جديداً، وأحدث تحولاً في المشهد نحو الحل والانفراجة السياسية، الا أنه وجد مقاومة شرسة من أطراف مناوئة قبل تعثر التوقيع على الاتفاق النهائي حيال التباين حول دمج الدعم السريع في الجيش، وتستعد عدد من الجهات لاغلاق عدد من المدن بما فيها العاصمة، في إطار رفض الاتفاق المفضي لتكوين حكومة مدنية.
(1)
وكل التحركات المناوئة للعملية السياسية بالطبع تقف وراءها أجسام وكتل سياسية وكيانات أهلية رافضة لها، وترفض التوقيع على مسودة الاتفاق النهائي المرتقب في السادس من أبريل الجاري، من ضمنها الكتلة الديمقراطية التي تعارض العملية بشدة، وقد أعلنت في ندوة بمدنية الفاشر وسائلها وادواتها لمواجهة الاتفاق.
ولم يقف رفقاء مناوي وجبريل مكفوفي الإيدي حيال التطورات السياسية المتسارعة قبيل التوقيع على الاتفاق النهائي قبل تأجيله لوقت لاحق وبالتحديد يوم الخميس الماضي. ووجهت دعوات للعدد من مندوبي المؤسسات الإعلامية المعتمدين في تغطية نشاط الكتلة الديمقراطية لحضور التوقيع على مذكرة تفاهم بين التحالف الديمقراطي للعدالة الانتقالية ـ أحد مكونات الكتلة التي يرأسها علي خليفة عسكوري ـ والتجمع الفيدرالي لأقاليم السودان يهدف للمطالبة بالحكم الفيدرالي واسترداد حقوق الاقاليم من المركز، وظهر في التوقيع أشخاص مناوئون للعملية السياسية منهم محمد الأمين ترك والأمين داؤود وبرطم والتوم هجو وآخرون محسوبون على النظام البائد مثل عجيب الهادي رئيس الادارة الأهلية بولاية الخرطوم، وجميعهم تحدثوا عن رفضهم الاتفاق النهائي واعلنوا الاغلاق التام في العديد من مدن السودان بدأت بشرق السودان، ومن المنتظر أن يشمل الاغلاق يومي الثلاثاء والأربعاء ولاية نهر النيل والخرطوم، رغم حديث عسكوري بأن التواصل مع الولايات بشأن المذكرة بدأ في 2020م الا ان هناك شواهد تؤكد ان التجمع الفيدرالي الهدف منه مقاومة الاتفاق النهائي.
(2)
وبعد يومين من المؤتمر أعلنت الإدارة الأهلية بولاية الخرطوم أنها قررت إغلاق الولاية بشكل كامل الأربعاء المقبل رفضاً للاتفاق السياسي الإطاري في البلاد، وقال ممثلون للإدارة الأهلية في مؤتمر صحفي: (الأحزاب ضعيفة ومتهالكة ولا تستطيع أن تمضي بالبلاد إلى بر الأمان، ولا يمكن أن نسلمها أمرنا، وهذا الاتفاق (الإطاري) يستهدف وحدتنا وتماسكنا وقواتنا المسلحة، ولذلك رفضنا الاتفاق منذ الوهلة الأولى، وهذا الاتفاق تنفيذ لأجندة خارجية) وأضافوا قائلين: (قواتنا المسلحة أصبحت مُهانة وهي محطة الأمان الأخيرة لوحدتنا ووحدة البلاد).
وبالمقابل أعلن نائب التحالف الأهلي لاسترداد الحقوق (تهراقا) بنهر النيل ممدوح جلال عن إغلاق الولاية اليوم وغداً الأربعاء رفضاً للاطاري، وقال ممدوح لـ (الإنتباهة): (إن الاغلاق جاء نتيجة لتعرضنا لظلم منذ الاستقلال وحتى اليوم، وكل الحقب التي مرت على تاريخ السودان ظللنا نعاني فيها من المظالم والتهميش).
وكشف عن رفع مطالب إلى رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان لم تر النور تحتوي على عدة مطالب من ضمنها المطالبة بنسبة الولاية من الموارد المدنية تذهب للمركز، بجانب عدم التزام مصانع الاسمنت بالمسؤولية المجتمعية، وتشريد عدد كبير من المواطنين من الخدمة المدنية والقوات النظامية بسبب تغول من بعض الجهات بأنهم أخذوا نسبة كبيرة جداً من تلك المؤسسات، وتعطيل عدد من المشروعات في ظل الحكومة الانتقالية خلال السنوات الأربع الماضية وتشريد المزارعين، بجانب معاناة المواطن في شراء الوقود وارتفاع أسعاره، فضلاً عن ضعف الخدمات الصحية والتعليمية، والتعبير السيئ لمسار الشمال عن أهل المنطقة. وذكر أن تلك المطالب لم يتم النظر اليها من المركز ولم تجر معالجات حيالها، وجدد رفضهم الاتفاق الإطاري لأنه لم يلمس قضاياهم، وأكد ممدوح أن واحداً من أسباب الاغلاق تذكير المركز بأن لديهم مطالب عادلة ومشروعة رفعت ولم ينظر فيها.
(3)
ويوم السبت الماضي أغلق أنصار رئيس المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة محمد الأمين ترك طرقاً حيوية في شرق السودان رفضاً للاتفاق السياسي النهائي المرتقب، في وقت أعلنت فيه قيادات سياسية عن اتجاه لتشكيل حكومة إقليمية في المنطقة، وشمل الإغلاق الطريق القومي الرابط بين الخرطوم وبورتسودان عاصمة ولاية البحر الأحمر عند منطقة (العقبة) بوضع حواجز من الحجارة وإشعال النار في الإطارات، فضلاً عن الطريق القومي الواصل بين كسلا والبحر الأحمر.
وقال رئيس المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة محمد الأمين ترك لـ (الانتباهة) إن الإغلاق كان جزئياً واستثنى المطارات والموانئ تعبيراً عن رفضهم الاتفاق الإطاري واستبعادهم من العملية السياسية الجارية.
وحول التوقيع على الاتفاق النهائي دون استيعابهم أكد ترك أنهم جزء من الحرية والتغيير ـ الكتلة الديمقراطية، وان مثل هذه القرارات مرتبطة بالكتلة وستكون التوجه.
ويقول المحلل السياسي محيي الدين محمد انه من الواضح أن معارضة الاتفاق الإطاري توسعت بشكل كبير، فلم تعد مقتصرة على كتلة التغيير الجذري ونداء أهل السودان فقط، حيث أن اصرار قحت على تضييق مشاركة الكتلة الديمقراطية وتحديد أطراف بعينها جعل الكتلة في صف المعارضين، وخطورة هذا الاصطفاف الواسع أنه سيحرم الحكومة الناتجة عن الاتفاق السياسي من دعم قطاعات مهمة ويجعلها ضعيفة وعاجزة وتحت سياط معارضيها على تنوعهم الايديولوجي والاثني والجغرافي، وقال: (ان ما لم تتحسب له قحت ان التوازنات الحرجة داخل مجموعة الموقعين على الإطاري من عسكريين ومدنيين تجعل مقاومتها للمعارضة خارجها ضعيفة، كما توفر لخصومها المناورة اللازمة لضرب تماسك الموقعين على الاتفاق).
ويرى محيي الدين ان اللجوء إلى تكتيك الإغلاق من شأنه خلق أزمات اقتصادية تزيد الضائقة المعيشية كما تسلب الحكومة السيطرة على الأوضاع في الأقاليم، وهو عنصر من عناصر هشاشة تحالف قحت المركزي المتهم بضعف اهتمامه بالولايات وقصر نظره على قضايا المدن وأهلها. وأضاف قائلاً: (أحسب ان الإغلاق هذه المرة سيكون شديد الأثر لأن إقليمي الشمال والوسط سيدخلان فيه، وبالتالي ستكون الحكومة أمام امرين، اما التدخل العنيف وبالتالي تعميق الازمة او المراهنة على عامل الزمن، وهو خيار مكلف من الناحية الاقتصادية، وقد يدفع باتجاه احتجاجات نقابية ومطلبية تسقط الحكومة).

تقرير : عماد النضيف

الانتباهة

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى