تحقيقات وتقارير

المبادرات المصرية في السودان… تسوية أم تعميق للأزمة؟!

تناول تقرير بـ “المركز العربي واشنطن دي سي” وهو معهد أبحاث في واشنطن معني بالقضايا العربية، الأوضاع السياسية بالسودان، والدور المصري في التأثير على المشهد السياسي والفترة الانتقالية، وقارب التقرير بين الأوضاع في السودان وليبيا، وطرح تساؤلات بشأن المبادرات السياسية المصرية، وأهدافها.

أشار التقرير إلى أن التطورات السياسية الأخيرة في السودان وليبيا أثارت بعض التفاؤل بشأن حل محتمل للأزمات السياسية التي طال أمدها والتي ابتليت بها كلا البلدين على مدى السنوات الماضية. في ديسمبر من العام الماضي، توصلت الأطراف السودانية إلى اتفاق إطاري بهدف وضع حد للأزمة السياسية الماثلة وتسهيل الانتقال إلى الحكم المدني. شكلت الاتفاقية علامة فارقة مهمة نحو الوصول إلى تسوية عقب الانقلاب الذي حدث في عام 2021.

بصيص أمل:

اعتبر “المركز العربي واشنطن دي سي” أن الاتفاق الذي توصل اليه الجانبان العسكري والمدني علامة بارزة نحو التسوية عقب الانقلاب الذي عطل العملية الانتقالية. وأشار في تقرير إلى أنه بالمثل، في ليبيا، هناك بصيص أمل على المدى الطويل، فيما يبدو. – انتخابات رئاسية وبرلمانية مرتقبة ستجرى هذا العام. في يناير، توصل عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، وخالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة، إلى توافق في الآراء بشأن خارطة طريق يمكن أن تمهد الطريق لإجراء الانتخابات بنهاية عام 2023.

الدور المصري:

وعلى الرغم من أن مصر ليست بعيدة عن هذه التطورات في كلا البلدين، إلا أنها لا تتمتع بنفس الثقل أو التأثير في كلتا الحالتين. في حين لعبت القاهرة دورًا رئيسيًا في تسهيل الاتفاق بين صالح والمشري في ليبيا، لم يكن لها تأثير يذكر على عملية الانتقال في السودان. كما أن محاولة مصر لاتباع سياسة من شأنها التأثير على التحولات السياسية في كلا البلدين قد واجهت تحديات على أرض الواقع. لا تزال القوى المدنية السودانية حذرة من مشاركة مصر في العملية الانتقالية، بينما أدت الانقسامات الداخلية في ليبيا وتأثير الجهات الخارجية إلى تعقيد الوضع السياسي وقد تؤدي إلى تأجيل الانتخابات إلى وقت آخر غير مؤكد.

مرحلة مضطربة:

استعرض التقرير الأوضاع بالسودان، والمرحلة المضطربة التي يمر بها، مشيرًا إلى أنه بعد الإطاحة بالرئيس المخلوع عمر البشير من السلطة في إبريل 2019 ، واجهت البلاد تحديات كبيرة في الانتقال إلى حكومة مدنية. كان الترتيب الأولي لتقاسم السلطة بين الجيش والحكومة المدنية، بقيادة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، الفترة التي كانت قصيرة الأمد، انتهت باستيلاء الجانب العسكري على السلطة وأدى هذا الانقلاب، بحسب المركز البحثي، إلى توقف العملية السياسية وإدخال البلاد في فترة متجددة من الفوضى وعدم اليقين.

ومع ذلك، وعلى مدار أكثر من عام ونتيجة للضغط الدولي والإقليمي، لا سيما من قبل الأمم المتحدة والولايات المتحدة وحلفاء وشركاء أمريكا مثل المملكة المتحدة ودولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، فإن هذه الجهود أسفرت عن التوصل إلى اتفاق بين القوات العسكرية والمدنية في ديسمبر من العام الماضي. ومن المتوقع أن يؤدي الاتفاق إلى تخلي الجيش عن السلطة وإقامة حكم مدني في غضون عامين من توقيع الاتفاق.

كما نص الاتفاق على أن يتم اختيار رئيس وزراء جديد من قبل القوات المدنية خلال الفترة الانتقالية التي تبلغ عامين حيث ستجرى الانتخابات في نهاية تلك الفترة. بالإضافة إلى ذلك، تتطلب الاتفاقية دمج قوات الدعم السريع في الجيش، وتنفيذ اتفاق جوبا للسلام، وإيقاف التدهور الاقتصادي في البلاد، والتأكيد على جيش وطني موحد، واعتماد سياسة خارجية متوازنة، بما يلبي مصالح البلاد.

وينبه التقرير إلى عدد من القضايا التي لا تزال تتطلب مزيدًا من المفاوضات بين الجيش والقوى السياسية الأخرى، مثل الإصلاح الأمني والعسكري، والعدالة الانتقالية، والعلاقة مع فلول النظام السابق، والسلام في شرق السودان.

تأثير محدود:

يشير التقرير إلى أنه على الرغم من أن مصر رحبت ظاهريًا بالاتفاق الإطاري بين القوات العسكرية والمدنية في السودان وأعربت عن دعمها الكامل له، إلا أن تأثيرها كان محدودًا على نتائجه. لم تفشل القاهرة فقط في لعب دور رئيسي في تسهيل توقيع الاتفاق من قبل الأطراف السودانية، بل قامت أيضًا بمحاولات لتقويض تنفيذه وعرقلة تحقيقه. في الواقع، منذ بداية العملية السياسية في السودان عام 2019، كان النظام المصري حريصًا على منع الانتقال إلى الحكم المدني، بحسب التقرير.

مضيفًا أنه من منظور نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، يمكن أن يشكل وجود حكومة مدنية على الحدود الجنوبية لمصر تهديدًا وجوديًا. ليس من المستغرب أن نظام السيسي ألقى دعمه خلف الجيش السوداني وحاول استمالة بعض القوات المدنية. علاوة على ذلك، وإدراكًا للتأثير المحتمل للاتفاقية الإطارية على مصالح مصر في السودان، سعت حكومة السيسي إلى زرع الخلاف بين القوى السياسية السودانية بحسب الكاتب، بالإضافة إلى تطوير إطار عمل بديل يمكن أن يتماشى بشكل أفضل مع مصالح القاهرة. لذلك، بعد شهر من توقيع الاتفاقية الإطارية زار عباس كامل رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية الخرطوم، والتقى بالبرهان، وأجرى محادثات مع مختلف الفصائل المدنية. علاوة على ذلك، اقترحت مصر مبادرة سياسية يمكن أن تجمع جميع الفصائل معًا وتخلق حوارًا يؤدي إلى “تسوية حقيقية ودائمة وشاملة”. وبينما رحبت بعض الفصائل المدنية بالمبادرة، رفضتها قوى الحرية والتغيير، القوة الرئيسية المؤيدة للديمقراطية في السودان. اجتمعت هذه القوى في القاهرة في أوائل فبراير ووقعت على اتفاق سياسي، من شأنه أن يساعد في “الانتقال إلى الديمقراطية ومعالجة الوضع في شرق السودان.

اتفاق بديل:

لفت التقرير إلى أن مبادرة مصر تعرضت لانتقادات باعتبارها محاولة لتخريب الاتفاق الإطاري الذي اتفقت عليه مختلف الفصائل السياسية في السودان وخلق عملية بديلة يمكن أن تتحكم في النتائج وتشكلها. أدى قلق القاهرة الكبير من عدم قبول أي انتقال سياسي في السودان لا يخدم مصالحها إلى حرصها على بقاء جنرالات الجيش السوداني في السلطة. وهذا يتماشى مع مصالح مصر في المنطقة وعلاقتها الطويلة مع المؤسسة العسكرية السودانية. . لذلك، ليس من المستغرب، بحسب التقرير، أن القاهرة لم تدين انقلاب البرهان عام 2021 وسعت لإيقاف أي ضغط دولي على المجلس العسكري السوداني للتخلي عن السلطة. علاوة على ذلك، فإن خوف مصر من أن الانتقال الكامل إلى الحكم المدني في السودان قد يؤدي إلى حكومة غير صديقة يمكن أن تخلق مشاكل على المدى الطويل يؤكد عزمها على الحفاظ على الوضع الراهن. مصالح الأمن القومي لمصر على المحك، وأي تحول في المشهد السياسي لا يتماشى مع مصالحها سيعتبر تهديدًا. أخيرًا، أضاف موقف مصر من قضية سد النهضة الإثيوبي بعدًا آخرًا لاهتمامها بالتحول السياسي في السودان. مصر بحاجة إلى حكومة يمكنها دعم موقفها بالكامل من هذه القضية والضغط على إثيوبيا لتوقيع اتفاق ملزم. لذلك، فإن أي تغيير في الحكومة في السودان قد يغير موقف البلاد من هذه القضية قد يكون له تداعيات خطيرة على الأمن القومي المصري.

الأوضاع في ليبيا:

وفي مقاربته بين الأوضاع في السودان وليبيا، استعرض التقرير تطورات الصراع الليبي، حيث كانت الجماهيرية غارقة في صراع أهلي طويل الأمد على مدار العقد الماضي، مع العديد من المحاولات الفاشلة لحل النزاع. ساهم عدم قدرة الفصائل المتحاربة على التنازل والاتفاق على خارطة طريق للسلام، إلى جانب عدم استعداد الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية لبذل المزيد من الجهود المتضافرة لإنهاء الصراع، في استمرار عدم الاستقرار في البلاد. بينما كان من المقرر أن تجري ليبيا انتخابات رئاسية وتشريعية في ديسمبر 2021، أدت الخلافات حول الأساس الدستوري للانتخابات ووجود المرشحين المثيرين للجدل إلى تأجيلها إلى أجل غير مسمى.

ومع ذلك، شهد شهر يناير الماضي بعض المؤشرات الإيجابية التي قد تؤدي إلى اختراق جمود الانتخابات. اتفق قادة مجلس النواب الليبي ومجلس الدولة عقيلة صالح وخالد المشري على التوصل إلى “قاعدة دستورية” لتسوية سياسية في ليبيا. واتفق الزعيمان على أن تقوم اللجنة المشتركة بين المجلسين بإحالة الوثيقة الدستورية إلى المجلسين للمصادقة عليها وفقًا لقواعد كل مجلس.

كما أعرب صالح والمشري عن دعمهما لوضع خارطة طريق واضحة لاستكمال الإجراءات اللازمة للعملية الانتخابية، بما في ذلك تنفيذ القوانين واللوائح ذات الصلة وتوحيد المؤسسات. جرت المفاوضات التي أفضت إلى هذا الاتفاق في القاهرة وبتيسير من السلطات المصرية التي التزمت بإنجاحها. والأهم من ذلك أن مجلس النواب برئاسة صالح أجرى عدة تعديلات على الوثيقة الدستورية والتي تضمنت تسمية السلطة التشريعية بـ “مجلس الأمة” ويتكون من مجلسين، مجلس نواب يقع في مدينة بنغازي، و مجلس الأعيان مقره العاصمة طرابلس، إضافة إلى السلطة التنفيذية برئاسة الرئيس المنتخب الذي يعين رئيس الوزراء.

دور إيجابي:

لعبت مصر دورًا حاسمًا في الاتفاق بين صالح والمشري. لم تكن القاهرة فقط مكانًا للمفاوضات بين الزعيمين التي استمرت لأشهر، بل ضغطت عليهما أيضًا لتسوية خلافاتهما والتوصل إلى اتفاق لإجراء الانتخابات المقبلة. في السابق، دعمت مصر خليفة حفتر وأفعاله التخريبية في الصراع الليبي. ومع ذلك، فإن التغيير في السياسة نحو نهج عملي وبناء سمح بمزيد من الشمولية السياسية، وتعزيز علاقة إيجابية مع معظم الفصائل الليبية وإعادة مصر لبناء سمعتها كوسيط موثوق به.

اكتسب موقع مصر الجديد في ليبيا ثقة الجهات الفاعلة الدولية مثل الأمم المتحدة والولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة وإيطاليا. علاوة على ذلك، ساعد التقارب بين مصر وتركيا على سد الفجوة بين الفصائل الليبية، وكلا البلدين يشتركان في الالتزام بحماية السيادة الإقليمية لليبيا وتحقيق حل سلمي للنزاع المسلح المستمر. يبدو أن كلا البلدين قد توصلا إلى نتيجة مفادها أن استقرار ليبيا سيحقق فوائد اقتصادية لكلا البلدين. دور مصر المهم في تسهيل الاتفاق بين صالح والمشري يسلط الضوء على أهمية الدبلوماسية الفعالة في حل النزاعات. لم يسمح هذا التغيير في السياسة والنهج بعملية سياسية أكثر شمولًا فحسب، بل ساعد أيضًا في تخفيف الاختلافات بين الفصائل الليبية وتحسين العلاقات الإقليمية والدولية.

تقرير : سحر احمد

السوداني

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى