حوارات

أيمن سلامة : حالة الدفاع عن النفس لا تنطبق على مصر بنزاع سد النهضة

وصلت حدة التصريحات الرسمية بين المسؤولين المصريين والإثيوبيين في أزمة النزاع حول سد النهضة إلى مستويات غير مسبوقة في الأيام القليلة الماضية. فقد قال وزير الخارجية المصري سامح شكري، إن بلاده “لها الحق في الدفاع عن مقدرات ومصالح شعبها، وكل الخيارات مفتوحة وكافة البدائل متاحة”، وهو ما اعتبرته أديس أبابا “تهديداً يشكل خرقاً صارخاً لميثاق الأمم المتحدة والقانون التأسيسي للاتحاد الأفريقي” كما جاء في بيان للخارجية الإثيوبية.

ومع تصاعد نبرة التصريحات الدبلوماسية من الطرفين، يتحدث أستاذ القانون الدولي العام، عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية (مركز أبحاث غير حكومي)، أيمن سلامة، في حوار مع “العربي الجديد”، حول الوضع القانوني لأطراف النزاع الثلاثة (مصر والسودان وإثيوبيا) في الأزمة.

*بداية هناك من يتحدث عن إمكانية استخدام القوة من قبل مصر للحفاظ على أمنها المائي، استناداً إلى المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة التي تعطي الحق في الدفاع عن الأمن القومي، وهو حديث يتردد من وقت لآخر. فما مدى قانونية ذلك؟
قولاً واحداً: لا يعتد بالمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة الخاصة بحالة الدفاع عن النفس في الحالة المصرية. المادة صريحة وقاطعة ومانعة وساطعة، وهي لا تتحدث سوى عن “عدوان عسكري”.

ومن يتحدث عن قانونية استخدام القوة في حالة النزاع المصرية الإثيوبية لم يقرأ المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، ولا اتفاقية “إعلان المبادئ لسد النهضة” التي وقّعتها كل من مصر والسودان وإثيوبيا في الخرطوم عام 2015.

لا أعتقد أن مصر ستلجأ مرة ثالثة إلى مجلس الأمن الدولي

*إذاً ما هو الطريق البديل في القانون الدولي لحل النزاع بين الدول الثلاث؟
ميثاق منظمة الأمم المتحدة ينص في مادته الثانية على “التسوية السلمية للنزاعات بين الدول”، و”منع التهديد باستخدام القوة المسلحة لتسوية أي نزاعات دولية” كما كان ذلك مرخصاً ما قبل عهد عصبة الأمم (1920 ـ 1946) وأيضاً منظمة الأمم المتحدة.

والمادة 33 من ميثاق منظمة الأمم المتحدة حددت أن من بين الوسائل السلمية لتسوية النزاعات الدولية: المفاوضات، والوساطة، والتوفيق، والتحقيق، والقضاء الدولي، والتحكيم الدولي، واللجوء إلى الوكالات والتنظيمات الدولية والإقليمية، وغيرها من وسائل سلمية لتسوية النزاعات الدولية.

*لمناسبة الحديث عن الوساطة الدولية، هناك محاولات جرت من قبل دول عربية، خصوصاً الدول الخليجية في هذا الملف، فما تقييمكم لمثل هذه المحاولات؟
دول الخليج لها استثمارات ضخمة في سد النهضة، وتربطها علاقات وطيدة بأطراف النزاع الثلاثة، ويمكن أن تقوم هذه الدول ومنها: الإمارات وقطر والسعودية، بدور فاعل في تقريب وجهات النظر.

وسبق لهذه الدول أن نجحت في التوسط بين دول متنازعة في القارة الأفريقية وخارجها، ورعت هذه الدول أيضاً اتفاقات مصالحة سواء كان في السودان أو بين جيبوتي وإريتريا، ولذلك فإنه من المؤمل أن تقوم هذه الدول بأدوار أكثر فاعلية في تقريب وجهات النظر بين الدول المتنازعة الثلاث (مصر والسودان وإثيوبيا).

*يتردد حديث أيضاً عن تفكير مصر في اللجوء إلى مجلس الأمن الدولي للمرة الثالثة، على اعتبار أن أزمة المياه التي تواجهها مصر تشكل تهديداً للسلم والأمن الدوليين. فهل هناك جدوى من مثل هذا التحرك إذا حدث؟
لا أعتقد أن مصر ستلجأ مرة ثالثة إلى مجلس الأمن الدولي. نظرياً وقانونياً لمصر هذه الأهلية في أن تلجأ للمجلس للمرة الثالثة، ولكن واقعياً وسياسياً وبعد أن رفض المجلس تلبية المطالب المصرية، لا أعتقد أن مصر ستلجأ مرة ثالثة إلى مجلس الأمن.

جل ما صدر عن مجلس الأمن الدولي في المرات الماضية التي لجأت فيها مصر إلى المجلس هو “بيان رئاسي”، والبيان الرئاسي الذي يصدر عن المجلس، “بيان سياسي” في المقام الأول، ويعبّر عن إرادة الدول الأعضاء في مجلس الأمن، ويصدره رئيس المجلس. و”البيان السياسي” لا يرقى بأي حال إلى “توصية سياسية” أو “قرار من مجلس الأمن” بموجب الفصل السادس.

ومن ثم فالبيان الرئاسي هو بيان رسمي يحفظ في أرشيف مجلس الأمن. ولكن مع ذلك يمكن للمجلس لاحقاً أي مستقبلاً في ذات النزاع المهدد للسلم والأمن الدوليين، أن يستند إلى ذلك البيان الرئاسي، إذا كانت هناك نيّة للمجلس في إصدار “قرار ملزم” حول النزاع أو الموقف الذي يهدد السلم والأمن الدوليين.

*ذكرتم أن البيان الرئاسي الذي صدر عن مجلس الأمن الدولي “يعبّر عن إرادة الدول الأعضاء في المجلس”، والمعروف أن الدول الخمس الكبرى هي صاحبة القول الفصل في أي قرار يصدر عن المجلس. ما تقديركم لموقف هذه الدول؟
الدول الخمس هذه (الولايات المتحدة، وروسيا، والصين، وفرنسا وبريطانيا) موقفها واضح، وتجلّى قبل الجلسة الأخيرة لمجلس الأمن الدولي، وهو أن السبل السلمية لتسوية النزاع في سد النهضة هي الطريقة الوحيدة وليس أي سبيل آخر خارج الأطر الدبلوماسية، والجميع يتذكر المندوب الروسي تحديداً في مجلس الأمن.

كل هذه الدول أصدرت تصريحات رسمية كان بعضها هنا في القاهرة وفي عواصم هذه الدول الخمس، أكدت أن الوسائل السلمية لتسوية النزاعات يجب أن تحتذى في تسوية نزاع سد النهضة.

الوسيلتان الإلزاميتان لتسوية النزاعات الدولية، هما القضاء الدولي والتحكيم الدولي

*وقّعت مصر بالفعل اتفاقية “إعلان المبادئ” مع إثيوبيا، فما معنى حديث المسؤولين المصريين الدائم عن ضرورة التوصل إلى اتفاق فني قانوني ملزم وشامل بشأن سد النهضة؟
اتفاقية إعلان المبادئ لسد النهضة التي أبرمت في السودان في 23 مارس/آذار 2015، هي معاهدة دولية ملزمة ودخلت حيز النفاذ فور التوقيع عليها في الخرطوم. ولكن هذه المعاهدة تعد اتفاقية إطارية عامة ويعني ذلك أنه ينقصها مستقبلاً لزاماً وحتماً إبرام اتفاق فني أو بروتوكول فني لاحق، بعد توقيع الاتفاقية الإطارية، وذلك الاتفاق الفني يترجم ما ورد في المبادئ، لأن اتفاقية إعلان المبادئ لسد النهضة لا تتضمن أي قواعد فنية ولكن تتضمن مبادئ عامة.

مرة ثانية الاتفاق أو البروتوكول اللاحق الذي يلزم إبرامه بين الدول الثلاث، والذي تطالب به كل من السودان ومصر وترفضه إثيوبيا، سيترجم ما ورد من مبادئ عامة إلى قواعد فنية لتشغيل وإدارة سد النهضة، وأيضاً ينص على إنشاء لجنة لتسيير ومراقبة تنفيذ ذلك الاتفاق الفني الثلاثي المعطل منذ عام 2011.

إثيوبيا رفضت أيضاً في البداية وحتى الآن في 2011، أن يتم إبرام اتفاقية نهائية من دون اللجوء إلى اتفاقية إطارية عامة، بمعنى أن إثيوبيا كانت الدولة التي رفضت إبرام اتفاقية فنية مثل هذه لتشغيل وإدارة سد النهضة.

*إثيوبيا تصر دائماً على رفض تدخّل أي طرف في النزاع مع مصر والسودان باستثناء الاتحاد الأفريقي. فهل مسار الاتحاد يمكن أن يؤدي إلى نتائج إيجابية؟
أخفقت منظمة الاتحاد الأفريقي في تقريب وجهات النظر، وإذا جاز القول بأنها “وسيط دولي” بين الدول الثلاث، فإن الوسيط الدولي يقترح فقط ولا يلزم. يقترح فقط حلاً توفيقياً أو توسطياً، وهذا المقترح يخضع لموافقة الدول الثلاث أطراف النزاع.

*ما شروط الوساطة الدولية وكيف يمكن أن تساهم في حل النزاع بين الدول الثلاث (مصر والسودان وإثيوبيا)؟
الوساطة الدولية باختصار هي وسيلة تسوية سلمية للنزاعات بين الدول، وقد تقوم بالوساطة دولة أو منظمة دولية أو مجموعة دول أو شخصية دولية مرموقة تحظى بثقة أطراف النزاع، كما في حالة النزاع الإثيوبي السوداني المصري حول تشغيل وإدارة والانتفاع المنصف المشترك بسد النهضة.

الوسيط الدولي يخضَع ولا يفرض على أطراف النزاع، ولكن أطراف النزاع الثلاثة هم الذين يطلبون من الوسيط الدولي تحديد خطته للوساطة الدولية، وحدود وساطته الدولية أيضاً. والوسيط الدولي إما يبادر من تلقاء نفسه إلى التوسط بين دول النزاع أو تطلب منه أطراف النزاع التوسط بينها.

ولا يعني قبول الوساطة في البداية، أياً كان ذلك الوسيط، أنه يفرض الحلول التوسطية. وتختلف الوساطة عن المساعي الحميدة، فالوسيط الدولي معلوم وإجراءات وساطته معلومة للعامة، أما المساعي الحميدة، فهي شكل سري من الوساطة الدولية. وإذا كان الوسيط يجلس مع أطراف النزاع، فالساعي لا يجلس ولا تكون وساطته علنية.

يمكن لأطراف النزاع سواء كانت مصر أو السودان أو إثيوبيا، أن ينهي الوساطة الدولية ومن دون اتفاق مع باقي أطراف النزاع، ودون اتفاق مع الوسيط الدولي. فقط يعلمه أن وساطته غير مرغوب فيها وعليه إنهاء وساطته. الوساطة وسيلة دبلوماسية غير إلزامية من طرق التسوية السلمية للنزاعات، وشأنها أيضا شأن وسائل الدبلوماسية الأخرى غير الإلزامية لتسوية النزاعات، مثل: المفاوضات والتوفيق والتحقيق، هذه كلها وسائل دبلوماسية.

أما الوسيلتان الإلزاميتان لتسوية النزاعات الدولية، فهما القضاء الدولي والتحكيم الدولي. ومثال على ذلك حين أصدرت الهيئة التحكيمية الدولية، في عام 1988 قرارها التحكيمي بشأن النزاع المصري الإسرائيلي حول طابا، ونفذت إسرائيل تماماً ما ورد في قرار الهيئة التحكيمية وانسحب آخر جندي إسرائيلي من طابا في 19 مارس 1989.

وأيضاً الحكم الذي صدر عن هيئة التحكيم الدولية التي قامت بالتسوية القضائية التحكيمية الإلزامية للنزاع بين إريتريا والجمهورية اليمنية حول جزر حنيش، تم التنفيذ، وانسحبت القوات المسلحة الإريترية من الجزر اليمنية المحتلة.

أخفقت منظمة الاتحاد الأفريقي في تقريب وجهات النظر

*لا بد من ذكر جهود الوساطة التي قامت بها الولايات المتحدة في الأزمة خلال عهدة الرئيس السابق دونالد ترامب. في اعتقادكم لماذا فشلت؟
لا بد من الإشارة إلى أن البنك الدولي للإنشاء والتعمير لمنظمة الأمم المتحدة، فضلاً عن الإدارة الأميركية، وتحديداً وزارة الخزانة الأميركية، بذلا جهداً حثيثاً في محاولة تقريب وجهات النظر بين أطراف النزاع الثلاثة.

وبالفعل قدّمت كل من وزارة الخزانة الأميركية ومعها البنك الدولي، مسودة الاتفاق الفني النهائي لإدارة وتشغيل سد النهضة الإثيوبي، وتم ذلك في فبراير/شباط عام 2019 في العاصمة الأميركية واشنطن. ولكن مصر فقط ممثلة بالخارجية المصرية والوزير سامح شكري، هي من وقّع بالأحرف الأولى، إذ رفض السودان التوقيع، ولم يسافر وزير الخارجية الإثيوبي من أديس أبابا إلى واشنطن، واتهم جهاراً نهاراً الولايات المتحدة بأنها ليست وسيطاً محايداً وأن إثيوبيا لن تذعن لأي ضغوط اقتصادية أو سياسية من الإدارة الأميركية.

وبالمناسبة، التوقيع بالأحرف الأولى هو شكل من أشكال التوقيع على المعاهدات الدولية، والمغزى بتوقيع الخارجية المصرية بالأحرف الأولى هو مغزى سياسي وهذا التوقيع بالأحرف الأولى وفقاً لقانون المعاهدات الدولية وتحديداً اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات الدولية عام 1969، غير ملزم حتى للدولة التي وقع ممثلها بالأحرف الأولى.

سيرة

أستاذ القانون الدولي الزائر في معهد حقوق الإنسان في ستراسبورغ- فرنسا. أستاذ فخري وحاصل على الدكتوراه الفخرية في القانون من معهد قانون حقوق الإنسان في جامعة ديبول- شيكاغو – الولايات المتحدة

عمل مستشاراً قانونياً وضابطاً للاتصال لقوات حفظ السلام المصرية، تحت قيادة حلف شمال الأطلسي في البلقان. عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية. عضو مجلس كلية الألسن بجامعة عين شمس في مصر

تخرج من الكلية الحربية في مصر، ودرس الحقوق بجامعة الإسكندرية والاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، كما درس بمعهد اللغات التابع لوزارة الدفاع الأميركية، ومعهد الشؤون الدولية بجامعة فوردهام الولايات المتحدة، وحصل على دبلوم دراسات قانون الحرب من اللجنة الدولية للصليب الأحمر – جنيف، سويسرا.

أجرتها من القاهرة: نادين ثابت

القدس العربي

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى