محمد عبد الماجد

محمد عبدالماجد يكتب: رئيس الوزراء القادم إذا أراد أن يبقى في منصبه عليه أن يفشل

 

(1)

يشاع بين الناس في السودان ان اكبر حزبين في البلد هما الهلال والمريخ ، غير ان الحزب الأكبر في السودان في اعتقادي هو حزب اعداء النجاح ، وهو حزب للأسف الشديد يدعي الوطنية فهو حزب اعداء النجاح الوطني. انصار هذا الحزب لهم منطق وفلسفة وشعبية وتأثيرهم على الشارع السوداني يفوق تأثير كل الاحزاب ولو اجتمعت على قلب حزب واحد.
النجاح في السودان شيء نسبي والفشل مطلق.. والنجاح استثناء والفشل قاعدة، لذلك يتقدم حزب اعداء النجاح الوطني، فهم يتحركون من على ارض صلبة.
(2)

بصورة عامة نحن السودانيين الشيء الوحيد الذي يمكن ان نتفق عليه هو (الفشل) … والشيء الذي ننجح فيه باكتساح كبير هو (الفشل)… ننجح فقط عندما نريد ان نفشل احداً او جهة ما.
حروبنا دائماً على الناجح – الفاشل ندعمه ونتعاطف معه .. وهذا امر نثبته حتى على المستوى الفني والإبداعي.. الحرب التى تعرض لها الفنان محمد وردي لم يتعرض لها الذين قلدوه وشوهوا اغنياته… وكذا الحال بالنسبة لمصطفى سيد احمد الذي حاولوا افشاله بكافة الطرق حتى اصيب بالفشل الكلوي.
في السنوات الاخيرة لم يظهر فنان بشعبية وإمكانيات ونشاط الراحل محمود عبدالعزيز، غير ان الحرب التى تعرض لها الفنان الشاب محمود عبدالعزيز تكفى لإسقاط روسيا وإعادة الاندلس من جديد.
حاربوا الحوت سجنوه حاكموه وجلدوه ومنعوه من الغناء في الخرطوم في الوقت الذي كان فيه انصاف المواهب والفاشلون من المطربين يسيطرون على الساحة الاعلامية وتبث اعمالهم في التلفزيون القومي وإذاعة ام درمان ويمنع محمود عبدالعزيز حتى من الغناء في المناسبات الخاصة.
محجوب شريف مات بسبب تليف في الرئة نتاج الذي تعرض له في السجون من تعذيب ومن ارتفاع درجة الرطوبة فيها .. هذا الشاعر الذي غنى للشعب وهو يطلق عليه شاعر الشعب حاربته الحكومات .. منذ حكومة مايو وحتى حكومة الانقاذ.
(3)

في السياسة الذين يتعرضون للهجوم والانتقاد هم دعاة الحرية والديمقراطية.. هاجمنا الصادق المهدي وهاجمنا حمدوك وتركنا القتلة ومن وصلوا الى مناصبهم بطرق غير شرعية.
في العالم كله المواهب تدعم والعبقريات تساند، إلا في السودان فقد اجهضنا اعظم المشاريع وأكبرها نجاحاً مثل مشروع الجزيرة والسكة الحديد – نحن عندنا فوبيا من النجاح ما ان يظهر في مكان او يبدو في مشروع إلا اتجهنا نحو فشله وتدميره والقضاء عليه.
الحكومات الديمقراطية لا نصبر عليها في الوقت الذي يمكن ان نصبر فيه على الحكومات الشمولية والعسكرية (30) عاماً وننتظر منها المزيد رغم فشلها الكبير.
اعطني مشروعاً ناجحاً في السودان .. السودانيون قادرن بين ليلة وضحاها على تحويله الى حطام… الثورات الشعبية قادرون على اجهاضها.
النجاح عندنا مرتبط بالماضي ونجاحاتنا تبقى فقط في (ذكرياتنا) ، لذلك نِحن الى الماضي ونرجع اليه لأن النجاح (ماضي).
لماذا يبقى الحب الاول ويظل خالداً في مخيلتنا؟ يبقى الحب الاول لأنه (فشل) ولأنه اصبح (ماضي).. الحب الذي ينتهى بالزواج يموت سريعاً لأننا ضد النجاح .. ضد حتى ان ينجح الحب ، لذلك يكون المحب ضد حبه وضد حبيبه ايضاً.
(4)

الذين ينجحون في الاسواق وفي التجارة وفي دنيا الاموال هم الذين فشلوا في الدراسة .. لهذا نجاحهم هو ترويج للفشل وتمكين لهم.
مواقع التواصل الاجتماعي والإعلام بصورة عامة اصبح النجاح فيه مرتبط بالبحث عن الاثارة والإساءة والطعن في الاشراف .. وهذا نجاح اخر للفاشلين.
اذا اردت ان تنجح عليك ان لا تكتفي بمقومات النجاح فقط .. من امكانيات وتأهيل وخبرات وقدرات .. اذا اردت ان تنجح لا بد ان تمتلك مصدات للسهام التى سوف تتعرض لها من الذين يريدون ان يفشلوك.
عشنا اسوأ ايام حياتنا في عهد الحكومات العسكرية.. وتعاني البلاد الآن من السوء والإخفاق والفشل في كافة المجالات .. لكن ادرك ان الذين ينتظرون الحكومة المدنية القادمة من اجل افشالها ومهاجمتها والقضاء عليها كُثر.
(5)

اذا جاءت حكومة مدنية سوف يعودوا ليتحدثوا عن الوقفات الاحتجاجية وعن اغلاق كوبري المك نمر وعن قطوعات الكهرباء وعن سعر رطل اللبن وعن تأخر المرتبات رغم ان كل هذه الاشياء تحدث الآن ولا يتحدث عنها احد ولا يتوقف فيها.
رئيس الوزراء القادم عليه ان يعلم ان الجميع في انتظاره .. ليس من اجل ان ينجح او يدعم ويساند ولكن من اجل ان يفشل ويخفق ويغادر.. أتعرفون لماذا؟ من اجل ان نثبت نجاحنا وصحة نظريتنا فنحن نجاحنا في فشل الاخرين!!
اذا لم تتبدل هذه المفاهيم لن يحدث نجاح .. علينا ان نوقف حملات الافشال والاستهداف .. علينا ان نكون عوناً للناجحين .. ولو كان ذلك بالصبر عليهم او فقط بعدم عرقلتهم والحفر لهم.
السودان امانة في عنق كل سوداني .. اذا اردنا الخير للوطن ولنا جميعاً علينا ان نكون عوناً للناجحين وسنداً لهم .. او فقط مطلوب منكم ان لا تكونوا سنداً للفاشلين.
(6)

بغم
وراء كل رجل عظيم فشل عظيم.
وكل الطرق تؤدي الى (المدنية).

 

 

 

صحيفة الانتباهة

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى