تحقيقات وتقارير

ورش العدالة الانتقالية… تطبيب الجراح العميقة

تتسارع وتيرة العملية السياسية التي أقرها الاتفاق الإطاري الموقع بين قادة الانقلاب 25 أكتوبر وبين قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي قبل 4 أشهر، وتمضي العلمية نحو إكمال مطلوبات تشكيل الحكومة المشروطة بإقامة 5 ورش تشمل عدداً من القضايا الخلافية التي تطلبت مزيداً من المشاورات. وبدأت بالأمس ورشة قضية العدالة الانتقالية كواحدة من القضايا الخمس وبدأت الورشة متزامنة في 6 ولايات تهدف لإدارة حوار متكامل في كافة أقاليم السودان لمناقشة المظالم التاريخية، والتوصل لتوصيات تجمع لتشكل نواة الورشة الأم للعدالة الانتقالية.

 

خلط

ويؤكد كثير من الخبراء إنَّ هناك خلطاً بين مفهوم العدالة والعدالة الانتقالية والتي يرى جزء من الضحايا أنها تمثل مدخلاً للإفلات من العقاب، بينما يعتقد البعض أنها ستمثل بديلاً للعدالة الجنائية. ويشير الخبراء إلى أن موضوعات العدالة الانتقالية كثيرة ويمكنها تطبيب الجراحات التي تسبتت فيها الحكومات السابقة على مدى التاريخ، إذ تشمل الإصلاح المؤسسي في المؤسسات المدنية والعسكرية والقضاء والإعلام، بجانب مدخل في موضوع السلام والمحاكمات الجنائية، وتمثل في مجملها علاجاً أشمل للحروب والمناطق المتأثرة بالحرب.

 

تعريف

وتعرِّف المفوضية السامية لحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة العدالة الانتقالية بأنها نظام يسعى إلى بذل كل ما يلزم، كي تنجح المجتمعات في محاولة إعادة بناء نفسها من جديد، والانتقال من تاريخ عنيف يتسم بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ارتُكِبَت في سياق ممارسة القمع، أو في سياق نزاع مسلح أو غير ذلك من السياقات الأخرى، بالإجابة على تساؤلات بالغة الأهمية تتناول كيفية الاعتراف بالانتهاكات ومنع تكرارها، وتلبية مطالب العدالة واستعادة نسيج المجتمعات المحلية الاجتماعي، وبناء سلام مستدام.

 

وتغطي العدالة الانتقالية “كامل نطاق العمليات والآليات المرتبطة بالمحاولات التي يبذلها المجتمع لتفهم تركة تجاوزات الماضي الواسعة النطاق بغية كفالة المساءلة وإقامة العدالة وتحقيق المصالحة” من خلال الاعتراف بضحايا تجاوزات الماضي على أنّهم أصحاب حقوق، وتعزيز الثقة بين الأفراد في المجتمع الواحد، وثقة الأفراد في مؤسسات الدولة، وتدعيم احترام حقوق الإنسان وتعزيز سيادة القانون.

وبحسب المفوضية السامية لحقوق الإنسان فإن عمليات العدالة الانتقالية تشمل تقصي الحقائق ومبادرات الملاحقات القضائية وأنواع مختلفة من التعويضات ومجموعة واسعة من التدابير لمنع تكرار الانتهاكات من جديد، بما في ذلك الإصلاح الدستوري والقانوني والمؤسسي، وتقوية المجتمع المدني، والجهود الرامية إلى تخليد الذكرى، والمبادرات الثقافية.

 

بداية فعلية

أمس احتضنت الخرطوم بداية الورشة المخصصة للإقليم الأوسط والتي تضم ولايات “الخرطوم، الجزيرة والنيل الأبيض” والتي حضرها أصحاب المصلحة من أسر ضحايا ثورة ديسمبر المجيدة، وضحايا الحروب وأسر شهداء ٢٨ رمضان والتي أشرف على تنظيمها التحالف المدني للعدالة الانتقالية بالتعاون مع الآلية الثلاثية.

 

وقال المتحدث عن التحالف المدني للعدالة الانتقالية محمد حسن سعد الدين إن المركز تبنى قضية العدالة والعدالة الانتقالية منذ العام 2019م، بإقامة العديد من الورش والمؤتمرات لمخاطبة أصحاب المصلحة لعكس رؤاهم وتطلعاتهم. لافتاً إلى أن ورشة الخرطوم تمثل واحدة من ستة أقاليم جغرافية ستتم فيها الورش باستدعاء أصحاب المصلحة الحقيقيين للعدالة الانتقالية. وكشف عن أن توصيات الورش الإقليمية المنعقدة الآن في الأقاليم الستة ستكون مسودة، تؤسس لخارطة طريق للعدالة الانتقالية للسودان واستصحابها للمؤتمر العام للعدالة الانتقالية الذي يلتئم شمله بالخرطوم في 17 مارس القادم.

 

دعم أممي

وأكد ممثل الآلية الثلاثية، السفير محمد يونس، دعم الآلية للعملية السياسية وتلك الورش التي يشارك فيها أصحاب المصلحة من كل من الخرطوم والجزيرة والنيل الأبيض، مبيناً أن عليهم وضع الأسس الضرورية للعدالة الانتقالية تجاه كل انتهاكات حقوق الإنسان، مشيراً إلى ان أن التوصية ستكون مهمة لكل الشعب السوداني ولكل العملية السياسية.

 

 

أصحاب مصلحة

قال الخبير الوطني وعضو اللجنة السودانية للعدالة الانتقالية د. عبد السلام سيد أحمد إن الورش الإقليمية الشت التي تنعقد في مناطق مختلفة، ستشمل كافة أصحاب المصلحة لتناقش قضايا العدالة الانتقالية، لافتاً إلى أنهم بجانب الورشة الخاصة بالإقليم الأوسط والتي تنعقد بالخرطوم ستكون هناك ورش، لكل من أقاليم كردفان والنيل الأزرق ودارفور والشرق والإقليم الشمالي، قال إن فكرة الورش جاءت بمبادرة من التحالف المدني للعدالة الانتقالية، بعد أن كانت الفكرة الأساسية أن تقوم مجموعة ورش إقليمية تستطلع آراء الناس على المستويات المحلية والإقليمية قبل أن تصل للمستوى القومي. وأضاف “كل الورش تصب مخرجاتها في مؤتمر قومي للعدالة الانتقالية تنعقد فعالياته قبل نهاية الأسبوع القادم، وأشار أن الورشة تتيح المجال لتقديم المعلومات والمفاهيم المتعلقة من المتخصصين، مبيناً أن انعقاد ورشة الخرطوم لثلاثة أيام يتزامن مع انعقاد ورش مماثلة بمختلف أقاليم السودان.

 

آراء أصحاب المصلحة

قال سيد أحمد إن الورش ستكون بمثابة بداية لنقاش حول موضوع العدالة الانتقالية واستطلاع آراء أصحاب المصلحة من أسر ومجموعات الضحايا الذين عانوا من الانتهاكات، بالإضافة إلى منظمات المجتمع المدني ومختلف فئات الشعب السوداني من لجان مقاومة وتجمعات ومجموعات مختلفة مهنية وغيرها. وأشار إلى أن الهدف من قيام الورشة هو استطلاع آراء تلك المجموعات فيما يلي موضوع العدالة الانتقالية، لبلورة فهم متكامل يمكن أن يقرر فيه المؤتمر القومي المزمع عقده في موضوع العدالة الانتقالية.

 

أسر الشهداء

ولم يكن أسر الشهداء بعيدين عن فعالية العدالة الانتقالية كون أن شهداء شورة ديسمبر يعدون أحد أهم أعمدة قضية العدالة، وقد كانت منظمة أسر الشهداء حاضرة لورشة الخرطوم. وقال ممثل المنظمة فرح عباس فرح إنهم حضروا ليوصلوا رأيهم حول العدالة الانتقالية وما حدث في تجربة الحكومة الانتقالية الماضية. وشدد على ضرورة تضمين العدالة الانتقالية في أي دستور قادم لجهة أنها قضية أخلاقية ووطنية وحقوقية تعبر عن كل أطياف الشعب السوداني، وقال “دار بين أقسام المجتمع المدني ورجال المقاومة وقوى مختلفة من المجتمع المدني ابتدار حوار وطني لدستور يحكم البلد لمدة عامين، ورأت منظمة أسر الشهداء ضرورة إيجاد العدالة والاعتراف بحقوق الشهداء، ولابد من أن تسمع صوتها، فضلاً عن أن تضع القوالب المناسبة للعدالة الانتقالية ترى بعيون المنظمة لا بعيون غيرها”.

وأشارت مسئولة المكتب القانوني بمنظمة أسر شهداء ثورة ديسمبر سعدية سيف محمد أحمد أنهم حضروا الورشة لتوصيل صوتهم كأصحاب مصلحة أساسيين، مشيرة إلى أنهم لديهم رؤيتهم الخاصة حول العدالة والعدالة الانتقالية، وقادرون على فرض رؤيتهم على الجميع لكي تطبق وتتحقق العدالة من أجل شهداء الثورة.

 

أهل المصلحة

وربما تكون ولايات دارفور الأكثر حرصاً على تطبيق العدالة والعدالة الانتقالية لذا فقد نشطت منظمات مجتمع مدني منذ أكثر من أسبوع، في التنوير بقيام ورش العدالة الاجتماعية تحت رعاية الآلية الثلاثية. والأسبوع الماضي قال مستشار والي الولاية للشؤون الإنسانية عبد الخالق دودين ناصر، إن قضية العدالة الاجتماعية والخاصة بمحاكمة مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان بدارفور، من القضايا المهمة التي تسهم في تطييب النفوس وتضميد الجراح لأسر الضحايا.

 

وأوضح مدير منظمة الناس بالناس د. أديب عبدالرحمن يوسف أن الورش تضم الأكاديميين والقيادات الأهلية والنازحين والرحل وأطراف العملية السلمية يولايتي غرب ووسط دارفور، لافتاً إلى أن الورشة التي أقيمت بالجنينة التي تستمر ليومين ستتناول موضوعات متعلقة بالعدالة الانتقالية والسماع لآراء المشاركين في جوانب القانون الجنائي، والسعي لإيجاد آليات ومفوضيات للعدالة الاجتماعية من أجل إيجاد الوئام والتوافق المجتمعي والسلام العادل بدارفور.

الخرطوم: (صحيفة الحراك السياسي)

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى