آراء

محجوب مدني محجوب يكتب: (الاتجاه الإسلامي) بين مفهومي الصواب والخطأ

 

إن أصحاب ما يسمى بـ(الاتجاه الإسلامي) في السودان كانوا يصدعون رؤوسنا بهذه الأسئلة:

منذ متى إنتسبت إلى (الاتجاه الإسلامي)؟

منذ متى إلتقيت بالشيخ فلان؟

في أي إتحاد كنت أيام ما كنت طالباً؟

يسألون هذه الأسئلة ويحومون حولها صباح مساء وفي كل لقاء، ويتكورون في ساحات مسجد جامعة الخرطوم، وهم في قمة نشوتهم الدينية.

ما ينبغي أن يحدث هو أن يعظموا الأعمال لا الأشخاص.

بمعنى أن يحتفوا ويعتزوا في كل يوم وفي كل لحظة بالأعمال لا الأشخاص.

فحتى إذا تقدم بهم الزمن يجدون أمامهم كمية من الأعمال لا عددية من الأشخاص.

حتى إذا تقدم بهم الزمن يجدون مرجعية للأعمال لا مرجعية للأشخاص مثل ما قال علي رضي الله عنه ( اعرف الحق تعرف أهله).

أما حينما يعتزون بالأشخاص من أجل أن هؤلاء الأشخاص قاموا بأعمال عظيمة، فهم يرونهم على حق طول عمرهم مهما تغيرت مهمامهم ومهما تغيرت وظيفتهم.

الصواب الذي كان ينبغي أن يتبنونه هو أن ينظروا إلى الشخص من خلال ما يقوم به من أعمال، فهذه الأعمال إن أداها صحيحا، فهو على صواب، وإلا فهو على خطأ وإن كان على صواب قبل ذلك.

هذا هو الجهاز الذي افتقر إليه ( الاتجاه الإسلامي).

هذا الجهاز الذي يعمل على التنقيح وعلى التنظيف الذي كان لا بد منه من أجل تطوير الجماعة وتقويتها.

هذا هو الجهاز الذي افتقدته الحركة الذي كان بمقدوره أن يحول الحركة من مرحلة الجماعة إلى مرحلة الدولة.

ظل (الاتجاه الإسلامي) يبتعد عنه شيئا فشيئا وذلك بسبب أن العمل أصبح تابعا للكيان وتابعا للأشخاص.

والصواب أن يتبع الكيان والأشخاص للعمل، فحينئذ يحدث التصويب والمحاسبة والمراجعة.

أما الحالة الأولى حالة اتباع العمل للكيان، فها هنا لا يظهر التصويب بل يختفي، ويحل محله التكريس للخطأ وترسيخه، ويحل محله المحافظة والحرص على حدود الجماعة.

يحل محله عدم القدرة على توسيعه؛ فيعجز عن وظيفة الدولة.

يمنعه من أن يقوم بإنشاء حلقات برحابة وسعة جميع مساجد البلد.

لا ينبغي التركيز على الأشخاص بحكم تاريخهم، ويترك هذا التاريخ ليقيم أعمالهم اليوم.

لا ينبغي التركيز على الانتماءات.

ما حدث مع هؤلاء ممن ينتسبون إلى هذا (الاتجاه الإسلامي) فإن تقييمهم للأشخاص يتم وفقا للتاريخ الذي أنجزوا فيه ل(لاتجاه الإسلامي).

يحاصرونك بهذه الأسئلة:

في أي فترة من فترات عمرك انتسبت لهذا الكيان؟

فإن كانت فترة انتمائك قصيرة، فهذا يعني أن ارتباطك بهذه الجماعة فيه نظر.

يعني أن ارتباطك فيه دخن.

أما إذا كنت عضوا في هذا (الاتجاه الإسلامي) منذ أن كنت طالبا، فهذا فضله لا يحتاج إلى شرح أو توضيح، فضله واضح وضوح الشمس في كبد السماء حيث لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.

هذه الفكرة ارتبطت بالكيزان حينما كان تجمعهم يدعى (الاتجاه الإسلامي) يعني قمة نضوجهم الفكري.

ربط هؤلاء العمل بالأشخاص، ولم يدركوا أن الإسلام وقيمه ليست بالضرورة أن ترتبط بالتاريخ، فكم من كان متقدما جاء بعده متأخرا فبزه وسبقه، فالأصل في الأخلص لا في الأقدم.

والأصل في الكيف لا في الكم.

كما أن كل مرحلة لها تحدياتها وإمتحاناتها، فليس كل من كان رئيساً لإتحاد( الاتجاه الإسلامي) بجامعة بالضرورة أن يكون شيخاً.

وليس كل من جاء بعد أن استولى الاسلامويون على السلطة بالضرورة أن يكون درجة ثانية أو درجة ثالثة.

وإنما هو تمحيص وقدرات، فكل مرحلة يعرض الكل فيها للتمحيص والاختبار، فمن نجح يعبر، وإلا فليرجع وليتقدم غيره، فالعبرة ليست بالشخصيات، وإنما العبرة بالأعمال.

يعرض العمل ولا تعرض الشخصيات، فإذا تقدم شخص، فضابطه عمله وليس تاريخه.

تاريخه يذكر كمؤهل له فقط أما تقييمه بعد ذلك، فليس له ضابط غير عمله.

الشيخ علي عثمان محمد طه ظل تاريخه يلازمه لا لشيء إلا لأنه في يوم من الأيام كان رئيس اتحاد جامعة الخرطوم .

ظل الشيخ متقدماً لا لشيء إلا لأنه كان في يوم من الأيام زعيم معارضة المجلس الوطني للحكومة الديمقراطية الثالثة.

حسناً فلتكن هذه الأعمال طيبة إلا أنها ليست كفيلة بعصمته عن الخطأ.

ليست كفيلة بأن تجعله ناجحاً في مرحلة أخرى من مراحل الدولة.

لا يقيم شيخ علي عثمان وهو نائب رئيس الجمهورية بأنه كان رئيس إتحاد جامعة الخرطوم أو كان زعيماً للمعارضة بل يقيم على مهمته التي يتقلدها اليوم، فإن نجح بها فالحمد لله تضاف إلى رصيده، وإن أخفق فليترجل عن منصبه سواءً برضاه أو بعدم رضاه، وليصعد غيره، فهذا العمل لا يورث وليس ملكاً لأحد كل شخص يمارسه يقيم بمقدار ما ينجزه منه.

هذه هي المؤسسية التي كان ينبغي أن يقوم عليها العمل العام، وهي مدى تحقيق الشخص للأعمال التي أنجزها لا يجعل من تاريخه إنجازاً يلازمه أين ما حل وأين ما إرتحل.

هذا التحليل لا يتعلق بالتطبيق بقدر ما هو يتعلق بالمفهوم.

التطبيق يأتي منه الإنسان ما يطيق لقول الله تعالى 《لا يكلف الله نفسا إلا وسعها…》سورة البقرة آية رقم (٢٨٦)

أما المفهوم فهو ينحصر بين أمرين لا ثالث لهما ينحصر بين الصواب وبين الخطأ.

فالإنسان يتبنى إحدى مفهومين إما صواب وإما خطأ.

أما العمل فهو يتدرج من مرحلة الصفر إلى أعلى حسب توفيق وهمة ومجهود وقدرات كل شخص.

فالصلاة مثلاً في مفهومها هي عبادة صحيحة واردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤديها كل مسلم هذا هو مفهوم الصلاة.

أما أداؤها فهنا الإختلاف، فمن الناس المريض ومنهم المسافر ومنهم الصغير ومنهم الكبير ومنهم المعاق ومنهم ومنهم.

صحة المفهوم لا ينبغي أن تختلف من مسلم عن مسلم.

لا بد أن يكون الفهم واحداً عند كل مسلم.

لا توجد منطقة وسطى في المفاهيم.

بعد المفهوم تأتي مرحلة التطبيق.

هنا يختلف الناس.

في هذه النقطة بالذات كان (الاتجاه الإسلامي) بقيادة حسن الترابي له خلط مفاهيمي.

الصلاح والقيادة لا ينبغي أن يرتبطا بأشخاص وبتاريخ معين إطلاقاً مهما كانت صفات هؤلاء الأشخاص ومهما كان تاريخهم.

وذلك لسبب بسيط وهو أن من نجح بالأمس قد لا ينجح اليوم، ومن كان غائباً بالأمس قد يكون حاضراً اليوم.

وذلك لأن الظروف والقدرات والأحوال تختلف من مرحلة لمرحلة.

كما أن سنة الله في خلقه الموت، فيذهب الأشخاص وتبقى المفاهيم.

خطورة المفهوم تكمن في كونه تترتب عليه أحكام وأحداث تأتي بعده.

على عكس التطبيق والفعل، فهو مرتبط بشخص بعينه.

أسامة بن زيد رضي الله عنه إرتكب خطأ مشيناً دون قصد منه حينما قتل رجلاً قال (لا إله إلا الله محمد رسول الله) ظناً منه أنه قالها خوفاً من الموت لا يقينا بالشهادة إلا أن هذا الخطأ لم يرتبط بالإسلام.

لم يرتبط بالدعوة، وإنما إرتبط بأسامة فقط رضي الله عنه.

وكذلك محبة أبي بكر رضي الله عنه العظيمة لرسولنا الكريم تدخل في دائرة الأعمال ليس كل شخص يستطيع أن يحب رسول الله صلوات الله وسلامه عليه مثل ما أحبه الصديق رضي الله عنه.

أما المفهوم وهو هنا محبة رسولنا الكريم ليس فيه درجات، فهو صواب محض وغيره خطأ محض.

فما من جماعة حادت عن الحق وإبتعدت عنه إلا بسبب حيادتها عن المفهوم وإبتعادها عنه.

إن ربط (الاتجاه الإسلامي) الدعوة بأشخاص وبتاريخ هؤلاء الأشخاص.
مفهوم أضر بالحركة أيما ضرر. وكان سبباً من أسباب تدهورها حينما استلمت السلطة. قطعاً هناك أسباب كثيرة أدت إلى الفشل لكن العمل على تشريح وتحليل كل سبب يساعد على تصويب التجربة رغم كل هذا الفشل الذي أصابها.

وقبل ذلك ينبغي أن يرسخ المفهوم بأن الخطأ ذاتي وداخلي، وليس خارجي كما يتوهم الكثيرون.

فقصة أن الخلل الذي أصاب( الاتجاه الإسلامي) خارجي سببه أعداء الحركة لا يخص المفهوم فقط بل كذلك يرتبط إرتباطاً وثيقاًبحالة الإنهزام وحالة الفشل، فتأتي الأسباب الخارجية والعدو الخارجي فزاعة تسكن وتخفف الحالة النفسية السيئة. وعليه فإن العقلاء فقط من يعيدون تقييم التجربة من داخلها لا من خارجها.

 

 

 

صحيفة الانتباهة

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى