حيدر المكاشفي يكتب: الكيس الأسود والسوق الأحلك سوادا!!
حذر خبير بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس، من خطورة استخدام الكيس الأسود، وقال الخبير عضو اللجنة الفنية للمطاط والبلاستيك، اسماعيل اسحق، إن البلاستيك المرتبط بالاغذية، لا يحتوي على مواد ضارة بصحة الإنسان وهو مايسمى (فوود قريت)، مشيراً إلى أن البلاستيك رخيص ومتوفر ويحل مشكلة ويشكل بديل لبعض المنتجات الغالية، مؤكدا أن الهيئة العامة للمواصفات لديها مواصفات خاصة بالنسبة لأكياس البلاستيك، محذرا من الكيس الأسود الذي اعتبره أخطر أنواع البلاستيك، منوها الى أن بقية الأكياس ذات الألوان الأخرى صحية لأنها مصنعة من مواد معينة وليس بها إشكالية..
بمناسبة فتح سيرة الأكياس، اذكر أن ولاية الخرطوم كانت قد شرعت في حظر تصنيع وتداول أكياس النايلون بلا استثناء، كما كانت بعض الولايات قد سبقت الخرطوم في هذا الاجراء، نذكر منها ولايتي القضارف والنيل الأبيض ، بل أن والي النيل الأبيض وقتها، كان قد عمل على استقدام شحنة قطار كامل من قفاف دارفور لتحل هذه (القفاف، جمع قفة) محل أكياس البلاستيك التي أصدر قراراً بمنعها، ولكن رغم كل هذه الجهود لمحاربة الأكياس، وخاصة المجهود الكبير الذي بذله الوزير حسن اسماعيل حتى اطلق عليه الساخرون لقب (حسن كيس)، إلا انها لم تنجح وبقيت الاكياس بمختلف انواعها والوانها واحجامها ظافرة ومنتصرة أبدا، ولكن وبافتراض النجاح في القضاء على الاكياس وعلى رأسها الاسود،
يظل السؤال الأهم قائما، وماذا بشأن المشكلة الأكبر التي ما زالت قائمة بل ومتفاقمة، لا يعنيها كيس نايلون أسود أو بنفسجي أو ورق أو قفة أو حتى شوال، تلك هي مشكلة هذا التردي المريع في الأوضاع المعيشية، وتدني مداخيل السواد الأعظم من الشعب، في ظل غلاء متوحش ومتفاحش ومتصاعد..صحيح أن منع الكيس الاسود أو امتناع الناس عن التعامل به يكف عنهم أضراره الصحية، ولكن ماذا بشأن شرور السوق والغلاء، فهذا الغلاء هو من فرض الكيس وأزاح القفة التي كانت لها (شنة ورنة) أيام الرخاء، ويقال عنها شعبيا (القفة أم إضنين بشيلوها اتنين)، وتقديري أن أيما حديث عن استبدال الكيس يقتضي بالضرورة ابدال حال الناس، وتحسين سبل عيشهم، وتيسير حصولهم على المواد الغذائية من لحمة وخضار إلخ، فعهد قفة الملاح قد ولى وراح، وهذا ما جعل كيس الملاح يحل بديلا عنها، ليس من حيث الشكل بل قبل ذلك وأهم من ذلك من حيث السعة والمحتوى والمضمون، إذ اعتاد الناس الآن بسبب الأوضاع المعيشية المتردية وتدني مستوى دخل الفرد معطوفا على تدني قيمة العملة الوطنية، على الأوعية صغيرة الحجم لحمل القليل مما يستطيعون شراءه من مواد غذائية، ذلك لمن يستطيع للشراء سبيلا وإن كان قليلا بالكاد يقيم الأود ويطفئ لسعة الجوع ويسكت قرقرة البطون، من شاكلة (مس كول لحمة) وليس حتى ربع كيلو،
حتى كادت أن تصدق فينا النبوءة المتشائمة التي تقول سيمر على البلاد زمان يضطر فيه المتسوق الى حمل نقوده في قفة عند ذهابه للسوق، ليعود منه بأشياء محمولة في جيبه، وغير أولئك الذين يكابدون مشقة حتى شراء القليل، هناك آخرون لم يكن لهم قبل حتى بهذا الكيس على ضآلته وقلة محتوياته كما ونوعا، منهم من صار يعتاش على فضلات الكوش ومقالب الزبالة، ومنهم من تفتقت عبقريته لمقاومة حالة الضنك والمسغبة عن أكلات شعبية عجيبة، ولا أظنني في حاجة لإضافة الأعداد الكبيرة من تلاميذ وطلاب المدارس الذين يقضون يومهم الدراسي وهم جوعى بلا فطور، وهذا والله على ما أقول شهيد، ليس مبالغة مني بل حقائق لم أذكر منها إلا أقل القليل والأمثلة على قفا من يشيل..
صحيفة الجريدة