جعفر عباس يكتب: حاشا أن أستخف بالنساء

 

قلت في أكثر من مقال إن من أكثر الأسئلة التي تعكنني وتجنني خلال المحاورات العادية أو الإعلامية، أن يقول لي أحدهم: لماذا تستفز النساء في مقالاتك؟ أو ما هو أسوأ من ذلك: لماذا تستخف بالنساء؟ يستفزني السؤال، لأنني أحس بأن من يطرحه غبي، ولا يفهم سطراً مما أكتب، لأنه لا يستخدم المادة الرمادية في رأسه لاستيعاب الأمور.

أستفز النساء معقولة ومفهومة، لأنني أتعمد مناكفتهن، لأنني أحب المناكفات المرحة والبريئة، ولكن أستخف بهن؟ حاشا وأنا أبو البنات وأخو البنات (وصف شخص بأنه «أخو البنات» يعتبر قمة المدح في السودان، وهي صفة تطلق على الشخص الشهم الكريم، ذي المروءة)، أما لقب «مقنع الكاشفات» فلا يفوز به إلا الشهم النبيل العفيف الذي يغطي السوءات المكشوفة، وكتبت كثيرا عن كيف أن الرجل في السودان عندما يتفاخر بنفسه وشرفه فإنه يقول: «أنا أبوكِ يا فاطمة أو نورة أو سوسن، لا يمكن أن أفعل كذا وكذا، وليس من الوارد أن آتي العمل الشين»، وقلت لكم مليون أُس تريليون مرة، إن بعضنا في السودان يتسمى رسمياً وفي شهادة الميلاد بأسماء مثل أبو فاطمة وأبو نورة وأبو عائشة، وتكون تلك الفاطمة أو النورة أو العائشة، هي أم أو أخت أو عمة أو خالة حامل الاسم.

وبكل فخر فإنني أنتمي إلى ثقافة لا «تستعر» من البنات ولا تعتبر أسماءهن «عورة»، وعندنا في ديار النوبة فإن الشخص يُعرف دائماً باسم أمه وإذا قابلت شخصاً بلدياتي لم يتعرف عليَّ، بادرته بأنني «جافر آمنة فقيرن تود»، وجافر هو جعفر وقد تحولت العين إلى ألف «للتعذر» لأن اللسان النوبي غير مبرمج لنطق حرف العين، أما آمنة فهي أمي، وفقير هو أبوها الذي هو جدي (وقد تستنتج من هذا الاسم أن الفقر في عائلتنا وراثي، وهو كذلك، ولكن فقير في السودان تعني العالم معلم القرآن، لأنها تحوير لكلمة «فقيه»، والاسم الأصلي لجدي لأمي هو حامد ولكن غطى عليه لقب فقير المقابل للقب «شيخ» أو «مطوع» عند عرب الخليج) و»تود» تعني ولد، أي أنني أعرِّف نفسي: جعفر ولد آمنة فقير.

المهم أنني لا أستخف بآدمي بسبب الجنس أو العرق أو اللون أو شكل البنطلون، أو حتى إذا خالفني الرأي، وبهذه المناسبة فإنني أشكر القارئ س. ج. الذي بعث إليَّ برسالة ينبهني فيها إلى أن هذه الصحيفة (جريدة الشرق التي ما زال حبل سري يربطني بها باعتبارها مسقط رأس زاويتي المنفرجة) استخفت بي ومارست الاستعلاء العرقي بحقي، لأنها ظلت تنشر إعلانات بصورة راتبة ومنتظمة في الفترة الأخيرة، عن جراحات لتجميل وتعديل عرض «الأنف»، وأحيل شكواي في هذا الصدد إلى هيئة حقوق الإنسان والاتحاد الأفريقي، والرئيس الزيمبابوي السابق روبرت موغابي على وجه الخصوص، والذي يعتبر أنفي عجرميا مقارنة بأنفه، وأعتقد أن الاستفزاز غير المباشر لمشاعري، بدأ بعد أن صار ظهري مكشوفا برحيل ابن العم باراك أوباما عن كرسي الرئاسة في الولايات المتحدة، وصار السود في العهد الترامبوني وما تلاه مضطهدين حتى في البلاد التي صارت أوطانهم حتف أنوفهم.

وبالمناسبة، فقد توصلت دوائر علمية في بريطانيا إلى اكتشاف خطير مفاده أن البيرة تحتوي على هرمونات الأنوثة، وأن الرجال الذين يشربون البيرة لا يعرضون فقط صحتهم وحياتهم الاجتماعية والمادية للخطر، ولكنهم يواجهون احتمالات التحول إلى نساء، ذلك أن «الهوبس» والتي يسميها بعض العرب حشيشة الدينار، التي تصنع منها البيرة تحتوي على الفيتوستروجين، ولإثبات صحة هذا الاكتشاف قام العلماء بمراقبة أشخاص يشربون ست زجاجات من البيرة خلال ساعة واحدة وكانت النتيجة أنهم جميعاً صاروا بمرور الزمن أكثر بدانة، وصاروا يتكلمون بلا انقطاع في لغة انفعالية ويتجادلون حول «لا شيء»، وصاروا عاطفيين، بعضهم سريع الغضب والبعض الآخر سريع البكاء وعجزوا عن قيادة السيارات بكفاءة، وصاروا يرفضون الاعتذار عند مواجهتهم بأخطائهم!! لماذا؟ صاحب العقل يميز!

 

 

 

 

صحيفة الشرق

Exit mobile version