(1)
بقراءة متأنية للتأريخ واسترجاع قيام الدول ونهضتها وأسباب انهيارها، نستطيع القول إن الدول لا تنهار إلا إذا ضاعت هيبتُها وضعُفت سطوتُها وارتخت قبضتها واستُهين بقوانينها، ومن مظاهر ضياع هيبة الدولة تمدد نفوذ القبيلة وسطوتها وتنامي الحركات الاستقلالية والانفصالية والإثنية، وتلك هي المرحلة الفعلية الأولى من مراحل انهيار الدول والأمم والحضارات، ثم تأتي بعد ذلك مرحلة فرض القبيلة أو الجماعات الإثنية والجهوية أجندتها على الأجندة القومية التي ظلت تتبناها الدولة الموحدة، ومن بعد ذلك الاستهانة بقضاء الدولة وقوانينها والتشكيك في نزاهة قضائها وفي عدلها، والاستهانة بقوتها وتحديها، وتلك هي المرحلة الثالثة التي تمهد للمرحلة الرابعة وهي مرحلة تفكك الدولة وتقسيمها سواء على أساس جهوي أو قبلي أو إثني، أو أقليات دينية أو عرقية، وفي هذه المرحلة ينعدم الشعور بالانتماء للوطن الذي يكون عملياً قد انتهى في نفوس المواطنين، ليصبح الاحتماء بالقبيلة والجماعات والكيانات والوحدات الصغيرة التي تكوِّن الوطن، ويضحى الولاء كله للقبيلة والكيانات العرقية والجهوية.
(2)
إذا أسقطنا هذه المراحل على السودان نجد أننا تجاوزنا المرحلتين الأولى والثانية والآن نمضي في منتصف المرحلة الثالثة وهي أخطر المراحل، ولكن مع ذلك يظل هناك عشم وبصيص أمل في استعادة هيبة الدولة قبل الوصول للمرحلة النهائية (الرابعة) وهي مرحلة تفكيك الدولة وتقسيمها إلى دويلات على أساس قبلي أو عرقي أو جهوي الخ.. وقبل الوصول إلى هذه المحطة يمكن استعادة هيبة الدولة وسيادتها بتعزيز سيادة القانون وتقوية القضاء وتوسيع هامش استقلاليته والوصول إلى حلول توافقية بين المختلفين سياسياً، وإلا فالاستسلام لأقدار الانهيار..
(3)
الآن نلاحظ أن مظاهر القبلية والكيانات تتمدد وتفرض أجندتها ونفوذها وتتحدى الدولة، ولعل ذلك واضح جداً في الاحتماء بالقبيلة حتى بشأن القضايا الجنائية ومراحل فتح البلاغات لدى النيابة في مواجهة زعماء قبليين، ويظهر ذلك أيضاً في إغلاق بعض القبائل الطرق العامة والمؤسسات القومية واللجوء إلى أخذ القانون باليد كما في الصراعات والنزاعات القبلية، مما يؤكد الاستهانة بالقانون وقضاء الدولة والتشكيك في نزاهته.. وفي هذه المراحل كلها نجد أن الدولة الضعيفة الفاشلة قليلة الحيلة تعطي كل المبررات للوصول إلى هذه المراحل وبمساعدتها وتحفيزها.. اللهم هذا قسمي في ما أملك..
نبضة أخيرة:
ضع نفسك في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك في كل حين.
صحيفة الانتباهة