الطاهر ساتي يكتب: دراسة حالة..!!
:: (12.300 حالة)، إحصائية غير رسمية لحالات اغتصاب الأطفال بالسودان سنوياً، نشرتها تقارير إعلامية قبل أشهر نقلاً عن منظمات مجتمع مدني، هذا مع استحالة تحديد إحصائية دقيقة لحجم الجريمة، لأن المجتمعات لا تزال تتستر أو تتحفظ على الكثير منها.. وإن كان اغتصاب الأطفال من الجرائم الكبرى، فإن الكارثة الكبرى هي التناول الإعلامي الخاطئ لهذه الجريمة.. فالإعلام يجب أن يكون مناصراً للضحايا وحامياً لحقوقها، وليس معتدياً على الضحية ومنتهكاً لحقوقها، أو كما يحدث منذ الأمس، عقب تفشي خبر اختطاف طفلة، ثم الاعتداء عليها..!!
:: ومن الحقوق أن المواثيق الدولية، وقبلها أخلاقيات المهنة، تمنع ظهور الأطفال الضحايا والناجين – رسماً واسماً – في وسائل الإعلام.. ولكن المؤسف أن هذا الحق صار منتهكاً لحد نشر صور الضحية أو الناجي مع الاسم الرباعي وعنوانه وقبيلته وربما كل شجرة العائلة إن استطاعوا الوصول إليها، رغم أنف الدراسات التي أثبتت أن ظهور الضحايا في وسائل الإعلام يعرضهم لمخاطر أخرى، منها تعرّف الذئاب البشرية عليهم ثم صيدهم عقب إضعافه بالإعلام وتجريحه أمام أهله ورفاقه..!!
:: ثم الخطر الآخر هو أن يلازم تداعيات الحادثة للضحايا طوال حياتهم، مما يؤثر سلباً في سلوكهم وعلاقاتهم مع الآخرين، ولهذا تم وضع معايير وضوابط محددة للتناول الإعلامي لقضايا التحرش واغتصاب الأطفال، وهذا ما لا يعرفه الكثير من الحمقى والجهلاء، وما صلاح مناع إلا أحدهم.. لم يجد مناع ما يتكسب به سياسياً غير أن يسبق الشرطة والطبيب ويزعم أن الطفلة تعرضت للاغتصاب، وهذا ما نفاه والدها وآخرون من أفراد أسرتها، حفظها الله ورعاها..!!
:: ونأمل أن تصل السلطات إلى الجناة، لتطمئن أسرة الطفلة والرأي العام، ونأمل أن يتحلى الإعلام بالوعي الذي يحمي الضحايا ولا ينتهك حقوقهم، كما فعل صلاح مناع بغير وعي.. وبالمناسبة، ليس في فعل مناع عجباً، فالشاهد في بلادنا لا يدفع الطفل ثمن سوء أخلاق الجاني فقط، بل يدفع ثمن سوء أخلاق من يتاجر بالمواجع والفواجع أيضاً.. وتأهيل هذه الطفلة نفسياً، حتى تتجاوز آثار الحادثة بإذن الله، ليس بالأمر المستحيل.. ولكن المستحيل هو تأهيل أمثال مناع، حتى يتجاوزا مرحلة الحماقة، ويمارسوا السياسة بوعي ومسؤولية..!!
:: وعلى كل، دائماً ما يكون يًنبه علماء التربية بدراسة وفحص العائلة والجيران والرياض والمدرسة والخلوة والملاعب وكل الأشياء التي حول الطفل بوعي ودقة، أي الدائرة المجتمعية الضيقة التي يتحرك فيها الطفل ببراءة، لأنها الدائرة المحفوفة بالمخاطر.. وقد تنجح في إبعاد الطفل من دائرة الغرباء، ولكن ليس من السهل إبعاده من أشرار الدائرة التي يتحرك فيها من (يعرفك ويعرفه).. والحقيقة الصادمة هي أن أعلى نسب الاعتداء على الأطفال – في كل العالم – يتصدرها من يتحركون في محيط الطفل وأسرته..!!
:: ورغم ارتفاع حد العقاب إلى (الإعدام والمؤبد)، لم – ولن – تختفي جرائم التحرش والاغتصاب.. فالعقاب – مهما كان رادعاً- وسيلة من وسائل مكافحة الجرائم.. والوسيلة الكبرى تتحمل مسؤوليتها الأسرة، وهي (الرعاية).. وليس من الرعاية توفير مناخ التحرش والاغتصاب للأطفال، كأن أن نرسلهم إلى المتاجر والأسواق وغيرها من الأمكنة الضاجة بالغرباء (بلا رقيب)..!!
صحيفة اليوم التالي