آراء

عبدالحفيظ مريود يكتب: الطعام نيئ لكن..

 

وعبد الله علي مسار يخاطب ملتقى الفاشر التشاوري، عام ٢٠٠٣م، من على المنصة:” لو أنني كنت والياً لشمال دارفور، ومنحني الرئيس صلاحياته – كما فعل لإبراهيم سليمان – لما تركت فيهم نفاخ نار.. دي دولة، ما لعب”.. لكن سيادة الفريق أول كان له رأى آخر.. حين جاءته الفرصة، والقوم ضيوف لديه، هو من دعاهم، للنظر في مسألة تمر شباب من الزغاوة والفور، قال:” أنا أكثركم معرفة بالحرب.. تخرجت ملازماً، وتدرجت حتى صرت فريقاً، رئيساً لهيئة الأركان ثم وزيراً للدفاع.. لو تسمعوا كلامي ما تسمحوا لطلقة واحدة أن تنطلق في دارفور.. حلوا المشكلة دي.. الحرب لو قامت، تاني ما بتقيف.. ح تكوسوا للبوقفا، وما تلقوه”.
شايف كيف؟
لكن ما أن قامت الحرب، بدخول قوات جيش تحرير السودان مطار الفاشر، تدمير الطائرات المقاتلة، واقتياد لواء من الجيش، من المسيرية، أسيراً، حتى قامت الأبواق.. اعزلوا إبراهيم سليمان عن والي شمال دارفور.. فهو ممالئ، متواطئ، دافن دقن.. هذا انتهاك لهيبة الدولة..
فصدر قرار إعفاء الفريق أول.. وتعيين عثمان كبر، والياً.. والمحمودية التى تبيع كبدة الإبل وعصيدة الدامرقا بالتقلية والروب، في حوش إذاعة الفاشر تمدح عثمان كبر (يوم كانت نار حمممممرا، الراجل الوقف فوكا، وشالها منو بلا كبر؟).
هل شال عثمان كبر الصاج ملتهبا، أحمر، وأنزله ليبرد، قبل أن تمتد أيدي الآكلين؟
دا سؤال فلسفي عميق، مش كدا؟
ينسحب إبراهيم سليمان، إذن، إلى بيته، بالرياض. تدخل الحرب في دارفور عامها العشرين، دون أن تضع أوزارها. من أبوجا، إلى الدوحة، وصولاً إلى جوبا.. تتحور مثل كوفيد ١٩، تظهر بأشكال جديدة.. في الجنينة، في مليط، في بليل، في نواحي جبل مرة.. وفي الخرطوم، أيضاً.. لكنه لم تمت. كانت عبد الواحد ومناوي ضد الحكومة السودانية.. الآن الجميع ضد الجميع.. إذ لا تعرف من ومتى ينقلب عليك ويفتح نيران رشاشه.
شايف كيف؟
والسلطة تغري.. القوة شيطان لعين يقودك إلى جنهم. يبدو أن ثمة اتفاقاً سرياً بين قادة الحرب في دارفور، والسلطة في الخرطوم.. هذا مجرد ظن.. أن يجدوا صيغة للتحكم في الأوضاع ههنا، وانتظار القضمة الكبيرة.. انتقالياً أو غير انتقالي.. فيما تنفتح بوابات الجحيم على العزل، من حين لآخر، هناك.. لا يدري أحد من فعل ذلك ولماذا.. على اللجان أن تخبرنا، بعد قليل، بما أملته عليها الضرورات والمصالح، لا بما جرى ويجري.
هل يريد الدارفوريون، القادة المتقاربة رؤوسهم، في الخرطوم الهيمنة والاستفراد بحكم السودان؟ النصب الأوفر من اللحم المجقجق في الصاج؟
ربما…
لكن ذلك طريق قاتل للجميع..
كيف؟
هل يكفي أن تكون أغلبية لتحكم؟ على فرض أن أهل دارفور هم الأغلبية؟ لا أعتقد أن هناك إجماعاً داخل المجتمع الدارفوري، على حكم السودان. الرجل البسيط هناك لا يطمح طموحات قاتلة، كهذه.. غير منشغل بذلك.. تلك طموحات وأوهام النخب الدارفورية.. تتخطى السياقات المنطقية، التاريخية والجغرافية لتفوق النخبة الشمالية، وتنشد أن تكون بديلاً لها.. كأنما أنصفت النخبة الشمالية أهل الشمال ودرأت عنهم المظالم.. تظل النخب – باستمرار – طبقة تنظر تحت أقدامها، تطور طموحاتها وترعى مصالحها.. تتاجر بكل ما وجد سوقاً رائحة: الدين، العرق، العروبة، الزنوجة، النوبية، الأرض، التقاليد، الشرف، فيما تظل المجتمعات التي طرحتها قصية، غير مهمومة بكل ذلك..

ورثت النخب ميراث الطائفية، تماماً.. فالطائفية تحتاج رعاعاً لخدمتها، والامتثال لأوامرها، على أنها “المصلحة العليا”.. تسوق بالخلا كل بسيط طيب القلب، مسكين..
شايف كيف؟
التجربة الجنوبية كفيلة بكشف ادعاءات النخب وشعاراتها.. لم تحقق دولة جنوب السودان لعامة الجنوبيين ما وعدت به.. مات – بعد الاستقلال – في حروبات النخب على أساس قبلي (دينكا، نوير، شلك، استوائيين) أكثر مما حدث في حرب الاستقلال ذاتها منذ العام ١٩٥٥م..
النيران متقدة، واللحم يجقجق في صاج.. والجميع يريد أكبر قدر منه..
يقوم شرق السودان ولا يقعد.. يغلق الميناء ويفتحه.. يهدد ويمهل..
لكن الذي سيحدث في دارفور، ومن تلقائها سيكون مهولاً.. نبوءة الفريق أول إبراهيم سليمان لم تتحقق، بعد.. والكثيرون سيتعاملون مع الأحداث الصغيرة بعقلية صلاح قوش (الحل الأمني، أولاً).. والنيران ستنشر في الحقل الغشيم، اليابس القصب، الذي هو السودان..
هذا، هذ…
والسلام..

 

 

 

صحيفة اليوم التالي

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى