آراء

محمد محمد خير يكتب: العريس البديل

 

 

سمعت بالوطن البديل وعشته.. خرجت بقناعة مفادها لا بديل للوطن إلا الوطن ولكن هل سمعتم بالعريس البديل؟ إنه لا تنطبق عليه تلك القناعة إذ لا بديل له إلا العريس الأصيل.

هذه قصة حقيقية ليست منتزعة من مسلسل، أو مركبة على قصة أخرى، أو مشحوذة من الخيال، قصة واقعية حدثت بالكلاكله القبة حيث اعتدت زيارة أخواتي كل أسبوع.

كان الجيران محتشدين بأحد المنازل استعداداً لعرس مزمع دعي له الجميع لتناول الغداء، وإجراء مراسم العرس، وكانت كل أسرتي هناك، ولكن العريس تأخر عن المجيئ، ولم تكن تلك المرة الأولى. فأهل العروس لهم تجربة سابقة قبل أشهر فقد وجهوا الدعوة لكل الجيران، ولكن العريس لم يحضر، واعتذر لاحقاً، ويبدو أنه ينوي أن يكرر ذلك للمرة الثانية.

حين تأخر عن موعده، وشارفت الشمس على المغيب، توترت أم العروس فاتصل به أحد الجيران، فكان رد المحادثة أنه لا يوجد مثل هذا الاسم. وكرر الجار المحادثة مرة ثانية فكان نفس الرد.

أبلغ أم العروس بتلك التطورات، فكادت أن تنهار امام صفوف (الحلل) لكن إحدى المدعوات من الجيران قررت حل الإشكال وفضه بطريقة جراحية جداً، فعادت لمنزلها وتحدثت لأخيها واستنهضت همته لمنع الأسرة الكريمة من الانهيار، فاستجاب الأخ على الفور، وتقدم لوالد العروس، فوافق وجيئ بالمأذون، وحرص المأذون على سماع موافقة العروس بنفسه فكانت موافقتها فورية وقوية، فتم عقد القران على الفور ولم يكلف العريس نفسه شيئاً غير الذهاب لسوق اللفة لحلق رأسه على مستوى مرافقة الملائكة.

وهكذا أصبحت كل الأشياء في طاعته في أقل من لمح البصر، العروس وذويها والصيوان، والعشاء والمدعوين، فصعد للزوجيه صعوداً سهلاً بعد أن حل محل العريس السابق بعد حذفه.

وفي خلال ساعة جاءت فنانة الحفل وعلا صوت المايكرفون (واحد واحد واحد) واصطف الحضور، وتدافعت أرتال من البشر واستهلت الفنانة النغم الجميل بأغنية سمعتها لأول مرة:

الليلة عريسنا جانا

ياناس سيبو العفانة

طربت طرباً لم أطربه لعبد العزيز داؤود، ولا للمرحوم (بوب مارلي) إذ أنني لم أسمع بهذه الأغنية من قبل، حواء بنزين او عشة ام رشيرش، او فاطمة جمكو، أو من حنان باكمبا. كانت أغنية على مستوى الحدث الطازج وكان أمامي شاب يتراقص جزلاً وطرباً وأثناء تأديته لتلك الرقصة أدخل يده في جلبابه وأخرج قطعة لحم من جيبه أكل منها أثناء الرقص ثم أعاد ما تبقى منها لجيبه مرة ثانية وواصل على نغم الفنانة الحداثية!

كنت طوال ساعات الحفل أسأل نفسي كيف أغادر مثل هذا البلد، وهل في كل العالم عفوية مثل هذه التي تقيم عرساً، بعريس احتياطي؟!

علا صوت رزيم الاورغان الذي كان يعزف عليه شاب يمتلئ فمه بأسنان الفضة، يضع على رأسه (طاقية راستا) ويستخرج من أحشاء الاورغن نغمة راقصة أكملتها الفنانة بالكلمات:

الفي ريدو فرط دقس

بجي غيرو بعمل مقص

هاج الحفل، كأن ريحاً جرفت الحضور، فالمخاطب بهذه الأبيات البليغة هو العريس (الزايغ ) والمعني هو العريس البديل المرمز لفعله (بعمل المقص )، هنا اختلج ذلك الشاب، وأخرج قطعة اللحم ثانية من جيبه، قبلها، ثم أدخلها غمدها مرة ثانية حتى تزيت جيبه ببقع، وواصل رقصه. أكد لي هذا العرس رجاحة الهمة، في بلد يعبر خاطره الطيب عن لمعان شعب مهول.

 

 

صحيفة الانتباهة

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى