آراء

محجوب مدني محجوب يكتب: كيف نمنع التدخل الأجنبي في الشأن السياسي السوداني؟

 

لا أحد يقبل بأن يتدخل كائن من كان في الشأن السياسي السوداني كما لا يستطيع أحد أن يبرر أو أن يثبت وجاهة وإيجابية التدخل الأجنبي في السودان؛ لأن هذا التدخل لا يخلو من سببين: أحدهما إما ضعف وعجز أبناء السودان عن إدارة شؤون بلادهم.

والآخر إما بسبب أطماع الأجنبي من التدخل لأجل تحقيق أهدافه.
ووفقا لهذين السببين، فإن التدخل الأجنبي ما هو إلا نتيجة لأحدهما حيث مكناه من أن يسرح ويمرح في السودان.
وبل يتجرأ ويصرح بذلك سواء من خلال الآلية الثلاثية التي تترأسها الأمم المتحدة بقيادة فولكر بيرتس أو من خلال بوابات السفارات الأجنبية.
بل ذهب الأمر إلى أكثر من ذلك، فقد وجد الأجنبي فرصته من خلال استنجاد الكيانات والأحزاب السياسية به.
إن التدخل الأجنبي في شؤون السودان علة ومرض ليس في ذلك شك إلا أن هذا المرض لا يصيب أمة من الأمم بدون أسباب كما لا يصيبها نتيجة لأسباب خارجية بل يصيبها نتيجة لأسباب داخلية.
لأسباب تتلخص كلها بأبناء الوطن.
فمن يرفض التدخل الأجنبي، فليعلم أن التدخل الأجنبي ما هو إلا نتيجة لأعمال ممارسي العمل السياسي من أبناء هذا الوطن ،فهم السبب المباشر والغير مباشر له.
فلا أحد يتدخل في شؤون أسرة إذا لم يصل صوت أفرادها إلى الشارع، فما أن تنقل أسرة صراعها وخلافها إلى الشارع، فهذا التصرف سيجعل الكل يتدخل في شؤونها.
سيجعل كل من له وزن ومن ليس له وزن يفتي في شؤونها بل قد يأمر وينهي.
أما إذا احتفظت الأسرة بخلافاتها داخلها، فلا أحد يستطيع أن يتدخل في شؤونها بل قد لا يسمع عنها أحد.
فأي تدخل خارجي نحن المسؤولون عنه ولا أحد غيرنا، فلا تلوموا فولكر على أي تدخل سافر في شؤوننا.
لا تلوموه على حوامته في الولايات، فنحن من دفعناه لذلك.
أسباب كثيرة جعلت خلافاتنا تخرج إلى الشارع، ويتبناها الأجنبي، ولعل أهم هذه الأسباب تتلخص في النقاط التالية:
أولا: فقدان الثقة بيننا، فلا أحد يثق في أن خصيمه يمكن أن ينصفه أو أن يسمح له بأي مشاركة في هذا الوطن المترامي الأطراف، واستفحال وعظم عدم الثقة لم يأت من فراغ، وإنما بسبب تكالب كل طرف بأن يستولى وحده على السلطة.
بسبب تكالب كل طرف بأن يبعد خصيمه بأقصى ما يستطيع، ولو كان هذا الإبعاد ثمنه المصلحة العامة، ولو كان هذا الإبعاد ثمنه الوطن.
ثانيا:عدم وجود خطوط حمراء لأي مكون من المكونات الموجودة في الساحة، ففي سبيل نصرة أي أحد على خصيمه السياسي يمكن أن يتحالف مع الشيطان. وفي سبيل نصرته على خصيمه السياسي يمكن أن يرفض أي مبادرة أتى بها خصيمه لمجرد كونها لم تأت منه، وما أكثر الأمثلة على ذلك، ولعل أكثر الأمثلة استشهادا ووضوحا في هذا الصدد هو اتفاقية (الميرغني قرنق) التي تمت إبان الحكومة الديمقراطية الثالثة، فإن كان سمح لهذه الاتفاقية بالمرور وتبنتها الحكومة آنذاك لحققت الكثير من الإنجازات، ولخففت الكثير من المواجع والأزمات.
ولمكنت قطار السودان من الحركة ولمكنته من أن تدب فيه الروح والحياة.
ولتقدم إلى الأمام في واحدة من أعقد وأكبر أزماته منذ الاستقلال، ولكن لأننا نعاني من أمراض مزمنة اسمها أمراض ال(أنا).
فكل واحد يقول: بأن هذا العمل لم يقم به إلا (أنا) لذلك لا بد أن يكتب له الإجهاض والفشل.
والمضحك المبكي أن المبرر الذي رفضت به هذه الاتفاقية في كونها أذلت السودان ووضعته ندا للحركة الشعبية في حين أن هذه الأطراف نفسها وبذات رموزها لم تجلس مع الحركة الشعبية فقط بعد ذلك بل منحتها السلطة والرئاسة.
فقد عين جون قرنق نائبا للرئيس ومن بعده سلفاكير.
ليس هذا فقط بل قد تركت هذه الرموز التي رفضت اتفاقية(الميرغني قرنق) الجنوب كله بما حمل للحركة الشعبية.
كل ذلك بسبب حب (الأنا) والفجور في الخصومة.
٠ثالثا: الحركات المسلحة لم تثبت حسن نيتها في أن مصلحتها السودان، ومصلحتها الانتصار للقضايا الوطنية.
لم تثبت ذلك خلال الأنظمة الشمولية أو الديمقراطية أو حتى الانتقالية.
هذه هي الأسباب التي صنعت ومكنت من التدخل الأجنبي في السودان.
فدولة لا وجيع لها ولا من أحد حريص على سيادتها سوف لن تسمح بالتدخل الأجنبي فقط بل سوف تجعل هذا الوطن مقسما إلى أشلاء.
فلا تبكوا يا أهل السودان على تدخل أجنبي.
فكل من يرفض التدخل الأجنبي فليراجع نفسه وينظر:
كيف يتعامل مع من يخالفه الرأي من بني وطنه؟
ولينظر لكل مبادرة أو عمل قام بها من لا ينتسب إلى جماعته:
كيف يتعامل معه؟
وليراجع أهدافه وغاياته من العمل السياسي:
هل هي تقدم مصلحته ومصلحة حزبه على الوطن؟
أم أنها العكس؟
هذه هي الأسئلة التي تثبت التدخل الأجنبي في السودان من عدمه.
هذه هي الأسئلة التي ينبغي ان تشغل الحراك السياسي.
أما مجرد خروج مظاهرات للتنديد بالتدخل الأجنبي أو رفع الأصوات بطرده، فلن يفيد شيئا وهي أشبه بالحرث على البحر.

 

 

 

صحيفة الانتباهة

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى