محمد عبد الماجد

محمد عبد الماجد يكتب: فيلسوف الأغنية العاطفية

 

(1)

 كان الشاعر صلاح حاج سعيد الذي رحل عن دنيانا امس الاول رحمة الله عليه ونحن طلبة في الثانوي العالي وفي مرحلة الجامعة يمثل لنا حالة من (الرقي) الشعري – الذي يجعل اشعاره وأغنياته عصية علينا – كنا نستمع اليها ونكتب كلماتها ونتداولها فيما بيننا كشكل من اشكال (التحضر) العاطفي ، فقد كانت اغنياته تمس (العصب السابع) ولم يكن لنا اهلية ان نستوعب ذلك او نفهمه.

 عندما التقيت بعد ذلك بصلاح حاج سعيد شعرت بعمقه الثقافي – كان يبدو لي في مكان اخر – أنا لا اصنفه شاعراً غنائياً .. فقد كان يكتب الاغاني من الوزن الثقيل، حتى تخاله شاعراً من العصر العباسي – كان يقدم في اغنياته كل خبراته ونظرياته العاطفية ودروسه دون ان يشعرك بأنك في قاعة المحاضرات.

 يفعل ذلك دون ان يقسط عنك الاحساس بالطرب.

(2)

 هذه المساحة لا تسمح لي باستعراض بعض من قصائده لنسردب في مساحاتها بالفضاء الذي كان يصنعه من خلال قصائده الغنائية.

 لكن ما يمكن ان اقوله عن صلاح حاج سعيد هو كتابته للاغاني بفلسفة تخصه وحده.

 صلاح حاج سعيد فيلسوف الاغنية العاطفية – ارجع اليه ابداعاته في استعراض (المسافة) كحاجز قدري.

 هو ابدع من قدم (المسافة) ببعدها الروحي (لسه بيناتنا المسافة والعيون واللهفة والخوف والسكون ورنة الحزن البخافها تعدي بالفرحة وتفوت وأبكي بالحسرة وأموت).

 هكذا كان يموت صلاح حاج سعيد ..لقد بلغ درجة من الحساسية والشعور المرهفة جعلته يبكي بالحسرة ويموت.

 وجع (المسافة) واكتشاف بعده امر يحسب لصلاح حاج سعيد فقد كانت (المسافة) قبل صلاح حاج سعيد حائرة لا تعرف توصيفاً بهذه الدرجة لتكون (عارضاً) او (حاجزاً) بين الاحباب.

 نماذج كثيرة في اشعار صلاح حاج سعيد قدمها وهو يشكو من طول (المسافة) ورهقها – لهذا هو شاعر (المسافة) في الاغنية السودانية ولعله لهذا كان (مسافة) بعيدة عن الاخرين.

(3)

 من ابداعات صلاح حاج سعيد قدرته على تسمية الاحزان وتوزيعها في قصائدها بدياجات و(ماركات) تخص صلاح سعيد وحده.

 يكفي صلاح حاج سعيد انه جعل الحزن (نبيلاً) – رغم ان الحزن عندنا يفتقد لهذا النبل.. تعامل صلاح حاج سعيد مع (الحزن) بهذا النبل يضعه في مكان اخر.

 من تسمياته ايضاً الشجن (الاليم) – بهذه التعريفات تعامل صلاح حاج سعيد مع تلك المشاعر والأحاسيس الموجعة.

 شكل صلاح حاج سعيد ثنائية فريدة مع مصطفى سيد احمد جعل فيها نبل الحزن ممكناً. لا اتخيل مصطفى سيد احمد بدون اغنيات مصطفى سيد احمد .. يخيّل لي في الامكان ان تسحب اغنيات أي شاعر من اغنيات مصطفى سيد احمد ولا تحدث خللاً في مسيرة مصطفى سيد احمد ، إلّا انك اذا فعلت ذلك مع اغنيات صلاح حاج سعيد وسحبتها من رصيد مصطفى سيد احمد فسوف يحدث ذلك خللاً كبيراً في مكتبة مصطفى سيد احمد الغنائية.

 لا يمكن ان تتخيل مصطفى سيد احمد بدون المسافة والحزن النبيل وقمر الزمان .. كما لا يمكن ان تتخيل وردي بدون اغنيات اسماعيل حسن ومحمد الامين بدون اغنيات هاشم صديق.

 مع محمد ميرغني قدم صلاح حاج سعيد الاغنية (الحوارية) وشكل اضافة كبيرة لمحمد ميرغني ومنحه تميزاً خاصاً .. رغم ان محمد ميرغني لم يغن سوى اغنيتين على ما اعتقد لصلاح حاج سعيد… لكن احسب (ما قلنا ليك الحب عذاب) بعشر اغنيات.

 مع البلابل قدم صلاح حاج سعيد كل البهجة والفرح في (نور بيتنا) وجعل النور يمتد للشارع.

 اما مع الطيب عبدالله فقد قدم صورة جدلية اخرى مع النفس (لقيتو واقف منتظر)… وفي النهاية يطلع ذلك الشخص شخص اخر.

(4)

 بغم

 بقي ان اقول ان المبدعين السودانيين زهدهم وتواضعهم يجعلنا دائماً لا نعرف قدرهم إلّا بعد ان يرحلوا عن هذه الفانية.

 وكل الطرق تؤدي الى (المدنية).

 

 

 

صحيفة الانتباهة

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى