زهير السراج يكتب: هل نحنُ دولة ؟!

 

 

* صعد الهندي الأصل (ريشي سوناك) لزعامة حزب المحافظين ثم رئيسا لوزراء بريطانيا فضجت اسافيرنا بالحديث عن هندي يحكم بريطانيا العظمى، وامتلأت هواتفنا بمجموعة من صورِه وممارسته لطقوس هندوسية على باب الوزارة البريطانية.. هكذا نحن نقتصر الحكم في الشخص الذي على هرم السلطة بعقليتنا الضيقة التي لا تعرف معنى الدولة والاسس التي تبني عليها الدول!

* الدولة لا يحكمها الأشخاص وإنما تحكمها مؤسسات ونظم واستراتيجيات ثابتة لا يستطيع اي حاكم كان أن يبدل فيها أو يحييد عنها فهو مأمور بثوابتها وتحدياتها… لقد حكم أمريكا (أوباما) الافريقي الكيني الأصل وبقيت أمريكا تحت حكمه بمبادئها الراسخة ولم يتغيير شيء لصالح افريقيا اثناء حكمه.. بوريس جونس التركي الاصل الامريكي المولد وصل لرئاسة الوزارة البريطانية ولكن وبقيت بريطانيا بعظمتها وقيمها.

* مشكلتنا اننا ننظر للدولة من خلال الشخص الذي على قمة السلطة ونترك له مصير الأمة والدولة ليفعل بها ما يشاء ويبيع ويشتري عندما يشاء، لا تقيده مصالح عليا ولا قيم وطنية.. فهو ابدي لا يخاف أن يستبدله نظام أو يحكمه دستور أو قانون فهو الدستور والقانون وهو الحاكم بامره… (فكثيرا ما نسمع من سيحكمنا اذا ذهب فلان)!

* ريشي سوناك قادم من رحم حزب المحافظين يحمل معه سياساته وبرنامجه الذي لا يقتصر على رؤية حزبية ضيقة، بل على مصالح دولة .. فهو لن يحكم بعرقه ولا بدينه ولا بأصله الهندي، ولن يستطيع حتى إن اراد ذلك، لانه سيحكم باسم حزب متأصل في الحياة السياسية البريطانية، يحكمه تاريخ وقيم دولة عتيقة عميقة الجذور.. فهل يعقل أن يستطيع رئيس وزراء قادم من أصول اسيوية ان يغير كل ذلك في ومضة عين؟!

* انني على يقين بأن هذا الهندي الاصل سيحاول ان ينجح بالعمل الجاد بما اختير من اجله، وسيجتهد بما فيه مصلحة الشعب البريطاني ومصلحة حزبه،، وسوف يعمل جاهدا لتحقيق ما فشل فيه نظراؤه، (لان حزب المحافظين لن يحتمل اي فشل اخر يقوده لفقدان السلطة والحكم)، لذلك لن يعمل بما يضر مصالح حزبه ومصالح الدولة البريطانية فهو داخل منظومة محكمة الاهداف والغايات.

* للاسف نحن ما زلنا نجهل المعنى الحقيقي للدولة، وماذا تعني مصالح الشعوب في عالم لا وجود للضعيف فيه ولا مجال لجاهل أن يحكم.. الأفراد لا يحكمون فالحاكم هو النظم والقانون، فهم يديرون فقط شئون الدولة بما مُنحوا من صلاحيات وسلطة لادارة شئون الناس وفق نظم وقوانين محددة، ومن ينحرف عن ذلك مصيره السقوط بالنظم والقانون .. هذه هي الدولة التي تدار وفقا لسيادة حكم القانون، وليس بسيادة الزعيم المتحكم على رقاب الناس، فهل نحن دولة ؟!

* يا لروعة هذا الفهم والمقال الرائع الذي أتحفنا به (احمد عثمان محمد المبارك)، فمتى نصل لهذا الفهم ومتى تكون لنا دولة ؟!

 

 

 

 

صحيفة الجريدة

Exit mobile version