حيدر المكاشفي يكتب: دع ما يريبك الى ما لا يريبك

 

 

جاء في الحديث الشريف عن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال(حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ( دع ما يرِيبك إِلَى ما لا يرِيبك)، ومعنى هذا الحديث بحسب كثير من العلماء يرجع إلى الوقوف عند الشبهات واتقائها، فإن الحلال المحض لا يحصل لمؤمن في قلبه منه ريب، والريب بمعنى القلق والاضطراب، بل تسكن إليه النفس، ويطمئن به القلب، وأما المشتبهات فيحصل بها للقلوب القلق والاضطراب الموجب للشك..

من القضايا المريبة المثيرة للجدل وتقاطع الآراء الفقهية حولها، قضية الفتاة اليافعة العشرينية أمل، التي أوقعت عليها محكمة جنايات كوستي حكما بالإعدام رجما بعد ادانتها بممارسة الزنا، ولم يفلح حتى الاستئناف الذي تقدم به الدفاع في تعديل الحكم أو تخفيفه دعك من الغائه، بعد أن رفضت المحكمة العليا الاستئناف وأيدت الحكم، وتصبح بعد ذلك هذه اليافعة الصغيرة تحت رحمة وقت التنفيذ الذي ربما يتم تحت أي لحظة، لتسجل البلاد أول عقوبة رجم بالحجارة لم تشهد لها مثيلا من قبل، ولعل حظ هذه الصغيرة العاثر الذي جعلها تخضع لمحاكمة في ظل أوضاع هي نفسها مريبة ومشبوهة في كل المجالات والمجال العدلي بالطبع ليس استثناء، ولهذا لم يكن حظها مثل من اتهمت سابقا بالردة ولم ينفذ فيها الحد بل اطلق سراحها وغادرت البلاد واستقرت بأمريكا..

الشاهد في عقوبة الرجم أنها موضع خلاف، حيث كان الراحل الدكتور الترابي قد أفتى في ندوة مشهورة ومنشورة بعدم شرعية عقوبة الرجم في جريمة الزنا للمتزوجين وغيرهم، معتبرا أن الرجم من شريعة اليهود، وأن عقوبة الزنا حسب الشريعة الإسلامية هي الجلد فقط، وقال إن الرجم لا محل له في الدين الإسلامي، وذكر أن ما طبق منه في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كان قبل نزول التشريع بشأن الزنا، وقطع الترابي بأنه لا توجد مرجعية في الدين الإسلامي غير القرآن الكريم، وقال إن السنن يمكن أن تجدد..ونسج على ذات منوال الترابي في تعليقه على حكم الرجم الصادر ضد اليافعة أملا لقيادي بالمؤتمر الشعبي المحامي ابو بكر عبد الرازق، وعد عبد الرازق حد الرجم عقوبة يهودية وليست إسلامية، ولم ترد في القرآن الكريم مطلقا، وإنما هي عقوبة يهودية وردت في التوراة وتواترتها مرويات ضعيفة نسبتها الى الرسول عليه السلام ولم ترد في القرآن الكريم على الاطلاق، وان ذلك يرفضه الدكتور عبد القادر عودة في كتابه (القانون الوضعي) والزمخشري في (تفسير الكاشف) ودكتور الترابي والامام محمد ابو زهرة والقرضاوي،

كما ان القرآن الكريم يرفض حد الرجم وينص على حد الجلد مئة جلدة في الآيات الاوائل من سورة النور (سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ)، واضاف الى كل المرويات التي رويت عن الرسول عليه السلام وسيدنا عمر بن الخطاب، مرويات كاذبة يضعفها متن القرآن ونصه الصريح، وان تلك المرويات لاحقتها الاهواء ولا تصمد في مواجهة النص القرآني الذي يفرق بين القتل والجلد. الراجح اننا امام قضية توجب العمل بمقتضى الحديث الشريف (دع ما يريبك الى ما لا يريبك)..

 

 

 

 

صحيفة الجريدة

 

Exit mobile version