تحقيقات وتقارير

إلى أين يمضي السودان ؟ الحرب الأهلية … السيناريو (الكابوس) !

(بلد ملعونة ..

منفاها الشوارع

البيوت سجونا

وجروحا “سلم”

ومن الجروح زرنا الشيوخ )

كنت أتمايل طرباً وأنا أردد مع الراب السوداني الأشهر “عصام ساتي” أغنيته الشهيرة الترند “أبوي الشيخ” وفيها يلخص بلغة شباب اليوم أوضاع البلاد خلال الأيام السابقة وهي تتخبط ما بين حكومة ولا حكومة، وهي تتخبط بين قواها السياسية وحكامها ورغباتهم في اعتلاء كرسي السلطة بأي شكل وتحت أي ثمن، ولعل الثمن لا يفرق كثيراً إن كان يدفع عبر دماء الشباب أو أرواحهم، فكل ما سبق جزء لن يتجزأ من مسرح العبث السياسي السوداني منذ الاستقلال، مع قليل من الرتوش أو الأفضلية لبعض الساسة في زمن ماض، ولكن لعل القاسم المشترك في هذا المسرح العبثي هو الرغبة الملحة في الوصول للسلطة بأي شكل وأي ثمن ولكن المهم هو تحقيق الـ” أنا” داخل كل حزب أو تيار سياسي أو سلطة عسكرية حاكمة، فالكل يقول إنه يريد الإصلاح والنهضة للبلاد وإن الآخر يقف ضد ذلك، وما بين “مع وضد” ضاع الوطن والمواطن .

بلد ملعونة

لم يكن أكثر المتشائمين لثورة ديسمبر يتخيل ان تؤول الاوضاع لهذه الدرجة ،فثورة انجحها شبابها بدمائهم وسلميتهم وابهرت العالم وحتى اعداء الداخل قبلوا بها، وكان الجميع يتخيل ان تسير الاوضاع على نحو مغاير وان يتفرق الجميع للبناء وللانفتاح على المجتمع الدولي، وحتى الاسلاميين الذين تمت الاطاحة بهم من السلطة ربما رأوا ان يتركوا الساحة لغيرهم بعد ان اوصلوا البلد لطريق مسدود بعد 30 عاماً من الحكم ،ولعلهم حينها قد تأكدوا ان الحكم والبلاد تحولت كما قال امام الانصار وزعيم الأمة الراحل الصادق المهدي “لجنازة بحر”، وتخيل امثالي من المتفائلين ان البلاد على اعتاب الانطلاق نحو الانفتاح والانعتاق من العزلة الاقتصادية والسياسية وان احوال المواطنين ستتبدل الى احسن الاحوال، ولكن “بلد ملعونة” ..

فتدهورت الاوضاع الاقتصادية الى الأسوأ، وبات المواطن يعيش جحيم السوق بشكل يومي في ظل تدهور في كل مناحي الحياة الاخلاقية والاجتماعية والامنية وتحولت البلاد لمرجل يغلي ،فانتشرت النزاعات الاثنية المسلحة من اجل الموارد وانتشرت التفلتات الامنية من قبل مسلحين مجهولين، واصبح السودان والذي يوجد في داخله 8 جيوش كأنه على شفا جرف واقرب للحرب الاهلية منه الى التقدم الى الامام، فانتشر السلاح وكثرت ضبطياته في الخرطوم وفي المدن الرئيسة ، وارتفعت النبرة العنصرية في الحديث ،ولعل المتشائمين والخائفين على البلد ذهبت مخيلتهم للسيناريو الأسوأ وهو ” الحرب الاهلية” وتخيلوا ان حدوثها أمر لا مفر منه، ومع ارهاصات وشائعات حول وجود الخلافات بين الجيش وقوات الدعم السريع، وما بين تدخل الحركات المسلحة وتحولها لجزء وطرف من اطراف الصراعات القبلية التي تحدث في ولايات دارفور والنيل الازرق وجنوب وغرب كردفان، بات سيناريو الحرب الاهلية سيناريو محتملاً حتى وان استُبعد الا أنه يوضع كخيار من الممكن ان تؤول اليه الاوضاع في ظل الازمة السياسية الخانقة التي تمسك بتلابيب البلاد، وفي ظل الرفض المستمر للمبادرات التي تأتي للحل سواء أكانت أممية او اقليمية ثلاثية كانت ام رباعية، تحت رعاية الشيوخ او تحت رعاية الملوك والامراء فالكل يرفض احياناً من أجل الرفض او يرفض لاسباب شخصية، وباتت الاحتمالات في السودان مفتوحة على كل السيناريوهات، ونحاول هنا ان ننظر للسيناريو الأسوأ وهو سيناريو الحرب الاهلية .

معطيات الحرب

أول هذه المعطيات هو تعدد الجيوش فالى جانب القوات المسلحة توجد جيوش حركات الكفاح المسلح “مناوي ،جبريل ،عقار ،حجر ،الهادي ادريس ،وتمازج ،وجيوش حركات منشقة عن حركات الكفاح المسلح ،فضلاً عن وجود قوات الدعم السريع.

ويخشى السودانيون من تفجر الأوضاع جراء تعدد «الجيوش» والتي تزيد عن 8 جيوش”، فضلاً عن وجود حركتين لم توقعا اتفاق سلام حركة الحلو وعبدالواحد .

وتشير تقديرات بحسب صحيفة “الشرق الاوسط” اللندنية إلى وجود 4 ملايين قطعة سلاح بيد المسلحين والمواطنين، وهو ما حدا بالأمم المتحدة لدق ناقوس الخطر، مطالبة بحل مشكلة الجيوش، وعدّتها أكبر خطر يهدد الانتقال الديمقراطي في السودان.

ويعد عدم تنفيذ اتفاق سلام جوبا في جانب الترتيبات الامنية معطى اخر في ظل انتشار السلاح بيد منسوبي الحركات وعدم حصره او استيعابه بعد بصورة واضحة.

سلاح وتفلتات

ولا يمر اسبوع الا ونسمع في وكالات الانباء عن خبر ضبطية تهريب او ادخال سلاح للخرطوم او غيرها من المدن، ولا يمر يوم او اخر الا ونسمع ايضاً عن حادثة نهب بسلاح مسلح في قلب الخرطوم وفي قلب شوارعها، وكلها مؤشرات خطيرة على وجود شيء ما يحدث، وتظل الاجواء السياسية المشحونة مدعاة للخوف ولفتح الانظار على كل الاحتمالات .في ظل ارتفاع معدلات انتشار السلاح في السودان سواء في يد القبائل او المواطنين او الحركات التي لم يتم ادماجها في الجيش.

السؤال الصعب

وفي ظل كل هذه التداعيات فهل تندلع حرب أهلية في السودان ؟

وسبق ان تنبأ الكاتب الاسلامي المتشدد اسحق احمد فضل الله في عدد من المقالات السابقة المنشورة في صحيفة (الانتباهة) وفي عدد من مواقع التواصل الاجتماعي عقب الثورة والنزاعات ما بين قوى الحرية والتغيير والمكون العسكري بان البلد مقبلة على انقلاب او على حرب أهلية .

الحرب المزمنة

ويدخل المحلل السياسي المعروف والكاتب الصحفي عبدالله رزق بمدخل فلسفي عن امكانية اندلاع الحرب الاهلية في السودان ،ويقول لـ(الانتباهة) : ما هو المقصود بالحرب الاهلية ومن هي الاطراف التي ستندلع بينها هذه الحرب، ويشير الى مواجهات عسكرية تجري في دارفور وغرب كردفان والنيل الازرق، ويؤكد رزق على أن السودان لم يخلُ خلال الـ60 سنة الماضية من شكل من اشكال الحرب الاهلية، ويذهب في تشخيصه للوضع الى ان السودان يعاني من متلازمة ” الحرب الأهلية المزمنة”، ويشير الى ان الحروب لا تزال تجري في السودان وفي اجزاء مختلفة منه وتنتقل من منطقة لاخرى وتواجه فيها مجموعات سكانية مختلفة ولاسباب مختلفة ومتعددة، ويسمي رزق هذه الصراعات الاثنية بالحرب الاهلية والتي تتم بسبب التنافس حول موارد الارض- “زراعة، رعي ، معادن “- وما يرتبط بها من سلطة سياسية مثل الصراع حول “النظارات “. ويوضح رزق بهذا المفهوم للحرب الاهلية فان السودان شهد حروباً اوسع ضمت مجموعات اوسع او تحالف مجموعات اوسع كحرب الجنوب في السابق وحربه مع الشمال منذ 1955 وحتى 1971 ومنذ العام 1985 وحتى 2005، وامتدت الحرب الواسعة هذه الى دارفور منذ 2003 والى 2019 ، ويوصف رزق كل هذه الحروب او النزاعات بالحرب الاهلية .

لن تحدث

الا انها –والحديث لرزق- لم تكن حرباً شاملة بين كل الاطراف، بحيث تستقطب كل السودانيين وتقسمهم في مواجهة بعضهم البعض، ويجزم بانه لم تحدث ولن تحدث على الرغم من دخول عوامل كثيرة محرضة على الحرب الاهلية مثل اكتشاف الذهب والذي دفع قبائل لحمل السلاح .بالاضافة لعوامل اضافية اخرى مثل قصور السلطة في الحفاظ على الامن في مواجهة المليشيات.

ويرى رزق أن إرادة السودانيين ظلت تمنع انزلاق السودانيين ككل في حرب اهلية شاملة مثل التي حدثت في رواندا بين “التوتسي والهوتو”، ويؤكد على أن عامل مشاركة الكل في الحرب غير موجود في السودان، وحتى في حرب الجنوب والشمال لم يشارك فيها كل الجنوبيين او الشماليين .

وبات رزق أكثر تأكيداً وحسماً باستبعاده اندلاع حرب اهلية في السودان ويقول “ما متوقع انو السودانيين يتوزعوا على خط مواجهة مع بعضهم البعض”.

حسم الجيش

ولعل الخبير العسكري والمفتش العام الاسبق للقوات المسلحة ونائب رئيس هيئة الاركان ادارة الفريق أول حسن يحيى محمد احمد يسير على ذات خط رزق باستبعاده حدوث حرب أهلية لثقته في القوات المسلحة السودانية وقدرتها على حسم أي بوادر او نذر حرب أهلية،

ويقول الفريق اول حسن لـ(الانتباهة) بحسم أستبعد حدوث حرب اهلية وهي من الفرضيات المستبعدة، ولا يعتقد ان الضائقة الاقتصادية او عدم تنفيذ الترتيبات الامنية لاتفاق سلام جوبا لجيوش الحركات مبرر للحرب، ويردد الفريق اول “الدولة مسيطرة مسيطرة” ،ويقول انه اقترح في السابق ان تتولى الحركات المسلحة مسؤولية وزارة المالية لتعرف حقيقة الاوضاع الاقتصادية فيها ،ولتعرف ان الدولة عاجزة عن سداد بند الـ750 مليون دولار المتفق عليها سنوياً لصالح دارفور بحسب الاتفاق .

“كلام ساي”

ويذهب الفريق اول يحيى الى ان الحديث عن وجود مواجهات مرتقبة بين الدعم السريع والقوات المسلحة عبارة “كلام ساي” وشائعات، ويقول ان الجيش يعلم كل ما يدور ولديه المقدرة على السيطرة، حتى ولو اندلعت مواجهات مع الحركات التي لم توقع على السلام، والتي إن حدثت في المدن سيترتب عليها خسائر في الارواح الا ان الجيش مسيطر، ويعرف كيف يتخذ اجراءات وقائية تحمي السودان من أي حرب أهلية والتي ان حدثت سيعني هذا نهاية السودان، وتابع “على ثقة ماف حرب اهلية ستحدث “.

تحريض

أما رزق فيستبعد حدوث مواجهات بين حركات الكفاح المسلح داخل الخرطوم او المدن، ويقلل رزق من حجم الحركات المسلحة والتي يرى انها لم يعد لها وجود منذ 2017 وبدأت في التناقص وفي الانسحاب من الميدان في دارفور وانتقلت الى فضاءات اخرى في ليبيا.

اما عن الحديث عن قرب حدوث مواجهات بين الجيش والدعم السريع ،فيتهم رزق جهات بالعمل على صناعة واختلاق جو محرض على الحرب الاهلية ،والتي يجزم ان اساسها الموضوعي – اي الحرب الاهلية- غير موجود، ويشير الى ان تعلية الاسوار الاسمنتية المحيطة بالقيادة العامة ليس بغرض التحسب لمواجهات عسكرية وانما لمنع تكرار اعتصام القيادة مجدداً والذي اطاح بالبشير.

ويشير رزق الى أن ظهور المليشيات شبه النظامية لم يكن وليد هذه الايام وانما ظهرت في السابق منذ حرب الجنوب بظهور ما يعرف بـ”المراحيل والدفاع الشعبي والقوات الجنوبية الصديقة”، وبعد حرب دارفور تكونت قوات صديقة تقاتل مع الجيش السوداني هناك، ويؤكد انه طيلة حرب الجنوب او دارفور فان المليشيات شبه النظامية لم تخرج عن سيطرة الجيش.

التعبئة للحرب

يرجّح رزق وجود رغبة عند بعض الاطراف الداخلية في حدوث مواجهة بين القوات المسلحة والدعم السريع او الجيش والحركات المسلحة، وأكد ان هذه الاطراف تقوم بالتعبئة لصالح قيام حرب أهلية، ويشير رزق الى اطراف محددة الا انه يقول انه لا يمتلك مستنداً او دليلاً على تورطها في هذه الحملات المحرضة على الحرب الاهلية. ويجزم ان هناك جواً ومناخاً يتم خلقه لتهيئة البلد للحرب الأهلية وفي التحريض للمواجهة قد تكون جهات داخلية او مخابرت خارجية او جهات لها رغبة في زعزعة الاوضاع ،ويبدو رزق اكثر تفاؤلاً في عدم انزلاق البلاد نحو الحرب الاهلية .

شروط

بالمقابل يشترط القيادي الاسلامي المعروف بالاصلاح الان اسامة توفيق في حديث سابق له للزميلة صحيفة”الجريدة ” لتجاوز سيناريو الحرب ان تتفق كل القوى السياسية على خط سياسي يعلي قيمة الانتماء للوطن دون اقصاء لاي قوى سياسية، ثانياً القوات المسلحة السودانية هي درع الوطن وطالب بضرورة وقف كل الدعوات الهدامة التي تحاول النيل من قدراتها، ثالثاً دمج قوات كل الحركات المسلحة والدعم السريع داخل القوات المسلحة، رابعاً بسط هيبة الدولة وايقاف العبث الذي يحدث الان، خامساً الاعلان العاجل عن الانتخابات لوضع القوى السياسية امام مسؤولياتها التاريخية، سادساً وقف التدخلات الاجنبية في الشأن السوداني.

الاحتمالات المفتوحة

الحديث الكثير عن الحرب الاهلية عموماً في السودان او الحرب سبق وان تحدث عنه من قبل رئيس حركة تحرير السودان وحاكم اقليم دارفور مني اركو مناوي في مقابلة سابقة له مع “الانتباهة” والذي اتهم فيه صراحة سياسيين بتحريضهم على الرجوع للحرب من أجل الحصول على مقاعد الحكم في الخرطوم .

حسناً… تظل كل الاحتمالات مفتوحة على كل السيناريوهات الجيدة منها و”الكابوس” واخشى ان يظل صدى مغني الراب يتردد في دواخل كل السودانيين ويجعلهم يرددون خلفه “بلد ملعونة” واخشى من ان نقوم مثله ومثل اغنيته بزيارة الشيوخ ونردد:

إعداد: معتز محجوب

صحيفة ألانتباهة

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى