حيدر المكاشفي يكتب: النقابة التأسيسية..الكل فائزون

 

في كتابه القيم (التحدي والاستجابة) صنف الفيلسوف الانجليزي آرنولد توينبي الشعوب والحضارات الى شعوب حية وقابلة للتطور، والفئة الأخرى هي الحضارات والشعوب الميتة، وما يهمنا هنا ليس تصنيف تلك الشعوب بقدر ما ان ما يهمنا هو ميزاتها والتي من أهمها ثلاث ميزات، الاولى رفض الاستبداد، الثانية القدرة على التحدي والتغيير والبناء، والثالثة هي القابلية والاستعداد للتطور والتكيف مع الحياة وانظمتها المتجددة.

وبلا تحيز يمكنني القول باطمئنان ان الصحافيين السودانيين بتجربتهم النقابية الوليدة يمتلكون هذه الميزات، ولو راجعنا التاريخ السوداني منذ ما قبل الاستقلال لوجدنا ان الصحافيين كانوا متقدمين في عطائهم الوطني حتى على السياسيين وباعتراف السياسيين أنفسهم.. واليوم وبعد اعلان نتائج انتخابات النقابة التأسيسية للصحافيين السودانيين، يمكنني القول بكل ثقة أن النجاح والفوز كان للجميع وليس هناك خاسر، ويجب استنكار نبرة ان تلك الجهة خسرت وتلك الأخرى فازت فلا شماتة في الديمقراطية، ذلك أن مبدأ ترسيخ الديمقراطية هو الأكثر مركزية والذي يجب احترامه، فالديمقراطية في أبسط تعريفاتها هي مبدأ تداول السلطة، فمن فاز اليوم ربما يخسر غدا والعكس صحيح، لأن الديمقراطية والانتخابات هي عملية مستمرة ودائمة ولا تتوقف وان خصيصتها هي التجدد في البرامج والاشخاص والخطط والرؤى وليس من احد بمستثنى من الابعاد أو التجميد..

أكتب مكتوبي هذا ظهيرة الأمس الأحد، ولم تكن النتيجة الكلية والنهائية للانتخابات فيما عدا مقعد النقيب قد أعلنت، ولهذا لا أعلم من الفائز ولا اهتم بذلك كثيراً، ولكن الذي أعلمه جيداً هو أن الجميع فائز، لأننا احتفلنا أمس السبت بيوم جميل ورائع للصحافة السودانية والنقابة الوليدة التي تنتظرها تحديات كبيرة، فقد كان يوم الأمس حدثاً فريداً وظاهرة لافتة ومشجعة لم تحدث من قبل وأتمنى أن تستمر بل وأتمنى أن يحذو الآخرين حذوها، ولم يكن وصول الصحافيين لتحقيق هدف انجاز النقابة بالأمر السهل، وانما كانت تعترضه صعوبات الجبال من الخلف وصعوبات السهول من الامام كما يقول الزميل فيصل الباقر صاحب المبادرة التي أحدثت اختراقاً كبيراً أمكن من تحريك حالة التشاكس والجمود التي أخرت كثيراً قيام النقابة، لتتوالى بعد ذلك الخطوات ويتصاعد الحماس الى أن تتوج هذا الجهد بعقد الجمعية العمومية وانتخاب لجنة تمهيدية، فأبلت اللجنة بلاءً كبيراً وانجزت النظام الأساسي وميثاق الشرف الصحفي وعقد الجمعية العمومية التأسيسية وانتخاب لجنة الانتخابات، وكان لرئاسة الزميل فيصل محمد صالح لهذه اللجنة أثراً كبيراً في انضباطها وجديتها وحياديتها وشفافيتها ومواصلة العمل لساعات الصباح الأولى، ومن فلتات هذه اللجنة أنها منحت الصحافيين خارج السودان وفي الولايات حق التصويت إلكترونيا، في سابقة هي الأولى من نوعها بالسودان، وعزز هذه الممارسة الديمقراطية الشفيفة وغير المسبوقة صاحب المبادرات الذكية ربان مؤسسة طيبة برس الزميل الاستاذ محمد لطيف بتنظيم حلقات تناظر بين قوائم المتنافسين واستعراض برامجهم الانتخابية، وقد اضفت تلك الحلقات التي استمرت لنحو اسبوع وكان يؤمها يومياً عدد مقدر من الصحافيين، على أجواء الانتخابات مسحة ديمقراطية غير مألوفة وغير مسبوقة على الاطلاق، بل وصارت طيبة برس تمثل الى جانب ذلك ملتقى اجتماعياً للصحافيين.. وصفوة قولنا في الختام أن الصحافيين خطوا الخطوة الأولى ووضعوا اللبنة الاساسية في عملية البناء الديمقراطي وقدموا تجربة شفافة ورسموا صورة متحضرة في الممارسة الديمقراطية في سبيل تأسيس الدولة المدنية.. فاستحق الجميع الشكر والعرفان على هذه التجربة القدوة التي يهديها الصحافيون للآخرين..والشكر والعرفان والتجلة والتقدير لكل المرشحين بلا فرز، والشكر والتقدير والعرفان والاجلال لكل من أدلى بصوته..والصحافيون السودانيون قادمون..

 

 

 

 

 

 

صحيفة الجريدة

 

Exit mobile version