الطاهر ساتي

الطاهر ساتي يكتب: دولة البلف

:: يونيو 2013، بدون علم البرلمان وكل أجهزة الدولة، وبدون دراسة الآثار الاقتصادية، مخاطباً بعض الأهل بمنطقة الشلعاب بالخرطوم بحري، أصدر البشير قراراً بمنع تصدير بترول جنوب السودان عبر أراضي و أنابيب السودان، وكان قد صدر القرار – على الهواء مباشرة – بالأمر الشهير: ( يا عوض أقفل البلف).. لم تكن هناك مرجعية تشريعية أو اقتصادية لذاك التوجيه غير هتاف الجماهير و أغاني الحماس..!!

:: لقد مضى البشير، ولكن يبدو أن رئيس المجلس السيادي يمضي على ذات العهد والنهج.. وعلى سبيل المثال، في الأسبوع الماضي، بعد تغييب المجلس التشريعي ودفن القانون الرافض للتجنيب، وبدون معرفة حجم الخسائر، مخاطباً المتأثرين بالسيول بمنطقة المكايلاب بنهر النيل، أصدر البرهان توجيهاً لمدير الشركة السودانية للموارد المعدنية، قائلاً: (أردول ح يديكم 2 تريليون).. وليست هناك مرجعية تشريعية واقتصادية لهذا التوجيه غير هتاف الجماهير..!!

:: وهتفت جماهير المكابلاب لتوجيه البرهان (يا أردول افتح البلف)، رغم أن التوجيه لا يتكئ على مرجعيات الدولة.. وعلينا أن نعذرهم، فالمنكوب – في تلك اللحظة – فقط بحاجة إلى خيمة تأوي أسرته وطعام يسد رمق أطفاله، ولا يتذكر المفقودة المسماة – في الدول ذات الأنظمة الواعية – بالمؤسسية، ولو تذكرها لما هتف للبرهان ولا صفق لأردول.. نعم، لو تذكروا المؤسسية، واستدركوا غياب دولة المؤسسات، لذرفوا في لحظة التوجيه: (2 تريليون دمعة)..!!

:: ومن المحن، عندما سأل المنكوبون بالمناقل وكسلا – وغيرها – عن مصيرهم ونصيبهم من (مكرمة التريليونات)، رد عليهم وزير المعادن محمد أبو نمو موضحاً: (ليس باستطاعة شركة الموارد المعدنية تقديم تبرعات للمناطق التي لا تنتج الذهب، وما قدمته من تبرع للمتضررين في نهر النيل هو من عائدات إنتاج ولايتهم).. هذا التصريح يعني عدم مسؤولية المسماة بالحكومة عن المنكوبين في غير مناطق إنتاج الذهب، ثم الحكم عليهم بالغرق والجوع والمرض لحين إنتاج الذهب في مناطقهم..!!

:: لو كانت هناك دولة مؤسسات، لكانت هناك أجهزة مهنية، بحيث تكون هي المرجعية لدراسة الأوضاع بكل السودان، ثم إجازة الميزانيات ثم توزيعها للمناطق المنكوبة بمنتهى العدالة.. فالمؤسسية هي التي تبني الأوطان وتحمي الشعوب من المخاطر.. المؤسسية، وليست الأمزجة الشخصية التي من شاكلة: (افتح بلف ديل، عندهم دهب)، و(واقفل بلف ديل، ما عندهم دهب).. ما هكذا تُدار مصائر الدول والشعوب..!!

:: المهم.. ليس فقط المنكوبين بالسيول، بل كل الشعب منكوب لعدم وجود حكومة، ولاختزال البرهان مؤسسات الدولة في شخصه ثم نائبه ووزير المالية ومدير شركة المعادن.. فالثورة تمضي نحو عامها الرابع، ومن المعيب تغييب المحكمة الدستورية و المجلس التشريعي ومجلس الوزراء والمراجع العام والقوانين ..و.. و.. كأن البرهان لا يعلم بأن الغاية من الثورة وتضحياتها هي تفكيك الدولة العشوائية، ثم الانتقال إلى دولة المؤسسات، وليس إلى دولة الأربعة أحزاب، ثم الأربعة أشخاص ..!!

 

 

 

 

 

صحيفة اليوم التالي

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى