احمد يوسف التاي يكتب: الإصطفاف القبلي

(1)

كان السودان قبائل متفرقة ومتناحرة، ولكل قبيلة مَلِكها وأرضها ونظام حكمها، ولم يكن يجمع بينها رابط قومي في وطن واحد، حتى دولة الفونج كانت تحالف قبلي وتم إخضاع القبائل الأخرى بالسيف ..

يحدثنا التأريخ أن أول توحيد للقبائل السودانية تحت رقعة واحدة هي الوطن كان في عهد الاستعمارين التركي، والبريطاني ، فقد أخضع الاستعمار كل القبائل ووحدها في وطن موحد بحدود إدارية معروفة، إلى أي جاء حكم المهدية الذي استكمل توحيد القبائل في الدولة السودانية، وسارت الحكومات الوطنية بعد الاستقلال على هذا النحو..

(2)

أول ردة والرجوع إلى الاصطفاف القبلي حدثت في عهد نظام المؤتمر الوطني خاصة بعد تطبيق النظام الفيدرالي، وقد اعترف جهابذة النظام بهذه الردة، وأقروا بأن تطبيق الفيدرالية أدى إلى خطر تمكين القبلية والجهوية، والعودة للصراعات والنزاعات القبلية على الحواكير ومن هؤلاء المعترفين بهذا الخطل الدكتور المتعافي من خلال برنامج حال البلد، ومنهم أيضاً الأمين العام للحركة الاسلامية الزبير أحمد الحسن، وهناك الكثير من الشواهد على ذلك..

وإمعاناً في تثبيت أركان الحكم، والاستقطاب السياسي ابتدع حزب المؤتمر الوطني اسلوب (البيعة)،فكانت الوفود القبلية تتسابق الى دار الترابي ومكاتبه لأداء فرائض الولاء للحزب وأخذ البيعة ، وبعد المفاصل بين الاسلاميين كانت البيعة تذهب للبشير ونافع ،فكانت معياراً غير معلن لتلقي الخدمات والتنمية ونوال السلطان..

(3)

استمرت سنة الاصطفاف القبلي السيئة وبلغت منتهاها حتى أصبحت الوفود القبلية تأتي للمركز للتصديق لها بمحليات جديدة قائمة على أساس قبلي، واثني.. وبعد سقوط نظام المؤتمر الوطني قاد دفة الاصطفاف القبلي الفريقان البرهان وحميدتي فطفقا يستنصران بالقبائل والنظار والإدارات الاهلية، فكان اول اصطفاف قبلي لهما في معرض الخرطوم الدولي بعد مجزرة فض الاعتصام، ومازال هذا المسلسل تجري حلقاته، بينما لاتزال كثير من قيادات وزعماء العشائر يلهثون وراء أعطيات الاصطفاف القبلي حتى نسى الناس القومية السودانية أو كادوا..والآن إذا استمرت الأمور على ما هي عليه، فإننا عائدون بلاشك إلى حقبة ماقبل عام 1500حيث المجتمع القبلي المتناخر المتنازع وممالك القبائل،وحواكيرها، والنهب والسلب ..

(4)

ثمة عامل آخر اسهم بشكل كبير في عملية الاصطفاف القبلي وانشاء الكيانات القبلية وإضعاف سلطة الدولة وضياع هيمنتها وهيبتها، وهو أن عددا من عطالى القبائل من سياسيين وبعض المثقفين اتخذوا من قبائلهم (كروت) ضغط لابتزاز المركز الضعيف والضغط عليه للحصول على مصالح خاصة كما تفعل كثير من الحركات المسلحة، فكان الولاء للقبيلة اكثر من الوطن.. فأي ردةٍ، وأي رجعية اُقتِدْنا إليها في عهد التوحد والتكتلات في العالم..اللهم هذا قسمي فيما أملك..

نبضة أخيرة:

ضع نفسك دائما في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله ، وثق انه يراك في كل حين

 

 

 

 

 

 

صحيفة الانتباهة

Exit mobile version