جعفر عباس

جعفر عباس يكتب: غفلة دقائق تتسبب في حسرة طويلة

أتناول اليوم موضوعاً “غير شكل” عن تربية وتنشئة العيال، ويتعلق بالسيدة الفضلى التي كانت سعيدة بزيارة جارتها لها، ومتشوقة للأخبار التي ستنقلها لها عن زينب وزيزي وزوزو وزهرة وزيرو وزبيدة وزكية، ولكن طفلها الرضيع أفسد عليها تلك الجولة من النميمة الحرة، فقد ظل يبكي وفشلت جهودها في هدهدته وإسكاته، ولما كانت في لهفة للجلوس مع ضيفتها ومواصلة الحش والنهش، فقد نادت على بنتها ذات الخمس سنوات وطلبت منها أن “تسكت” الرضيع المزعج، وحملت الطفلة أخاها، وغادرت المكان، بينما تفرغت الأم لشرب القهوة والأنس مع الضيفة، ويبدو أن البنت الصغيرة نجحت في إسكات شقيقها الصغير فقد ران على البيت هدوء تام جعل الأم تشعر بالراحة، وتفخر في دواخلها بأن بنتها “شاطرة” وتعرف كيف تهدئ روع طفل باكِ، وتواصل الشقشقة مع الجارة.

وبعد قليل دخلت عليهما البنت ذات السنوات الخمس دون الرضيع فازدادت الأم إعجاباً ببنتها التي نجحت في إسكات الوليد، وربما “إقناعه” بالنوم أو بأن يحترم نفسه في وجود ضيوف في البيت/ خلال أقل من دقيقة، ولكن الجيران لم يسمحوا للسيدتين بالاستمتاع بنبش لحومهم، فقد انهالت الطرقات على باب سيدة البيت، وبعد صيحات متداخلة فهمت أن بنتها نفذت أوامرها بإسكات الرضيع حرفياً وأسكتته إلى الأبد، حيث قامت بإلقائه من نافذة شقتهما الكائنة في الطابق الخامس من ذات بناية متعددة الطبقات، فسقط جثة هامدة.
هذه الحكاية منقولة عن صحيفة عربية، تعمدت عدم ذكر اسمها حتى لا يعرف القارئ جنسية الأم وطفلتها البريئة، وحتى لا أقلب المواجع على الأم المكلومة، وأحسب أن تلك الأم تعض بنان الندم، وأنها لن تغفر لنفسها خطأ تفضيل الثرثرة مع جارتها على تقصي أسباب بكاء وليدها والعمل على تهدئته، وتكليف طفلة بتولي مهمة إسكاته دون أن تشرح لها كيف يكون إسكات رضيع بطريقة آمنة
ولكنني لا يمكن أن أحترم شخصاً، امرأة كانت أم رجلا يعطي متعته أو ملذاته الشخصية الأولوية على راحة وسعادة عياله، فالطفل الرضيع يبكي بحرقة لأسباب ثلاثة: إما لأنه “عملها” وفضلاته تضايقه، أو لأنه جائع أو لأنه متألم ومريض! وبعد الشهر الخامس أو السادس قد يبكي لسبب رابع وهو “الابتزاز”، فقد يعوده أهله على “الشيل” والهدهدة طوال اليوم فيحس بالوحشة كلما ابتعد عن أجسام الناس ولا يحس بالأمان إلا وهو محمول على الذراعين أو الكتفين! وأنا لست “بتاع نظريات” في هذا المجال، بل أعرف تلك الأشياء بالممارسة العملية، أعرف كيف أغسل جسم طفل عمره أسبوعان، وكيف أعد الرضعات الصناعية، وكيف أغير الحفاظات، وأعرف متى يحتاج الرضيع إلى منقوع اليانسون أو الكراوية (وهما من أفضل مسكنات المغص عن الأطفال ويستحسن جعل طعمهما مستساغاً بكمية بسيطة من عسل النحل الحقيقي، أكرر الحقيقي لأن معظم العسل في أسواقنا مغشوش). وأعرف إعداد البيض بالماء المغلي، ولا أعني بذلك البيض المسلوق، بل غلي الماء ثم كسر بيضة فوقه ليستوي دون الحاجة إلى زيت… وإذا مرض أحد عيالي فإنه يعلم أن عليه أن ينام معنا أنا وأمه في غرفتنا… ويسري هذا إلى يومنا هذا على عيالي الأربعة وهم اليوم – ما شاء الله – أكملوا تعليمهم ودخلوا الحياة العملية، فعند مرض أحد العيال فلا ممرضة تتفوق على الأم والأب
نحن ضيوف طارئون على كوكب الأرض، والعيال في البيت ضيوف طارئون… ويأتي يوم تخرج فيه هذه إلى بيت زوجها، وذاك إلى بيته مع زوجته، وقد يأتي الخروج مبكراً مع مرحلة الدراسة الجامعية، عندما تضطر إلى إيفاد ولدك أو ابنتك إلى بلد آخر للدراسة… تذكروا ذلك واقتربوا من عيالكم واحتضنوهم بمناسبة ودون مناسبة فلا ضرر أو ضير في ذلك… داعبوهم ولاعبوهم وصادقوهم حتى لا يصادقهم الفاسدون في أنفسهم المفسدون لغيرهم… ولا تفضلوا أحداً عليهم سوى أمهاتكم وآبائكم.

 

 

 

 

 

صحيفة الشرق

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى