تحقيقات وتقارير

منع دخول الملابس المستعملة للبلاد بين التأييد والرفض.. القوقو .. الخيار الأصعب

الملابس المستعملة تتسبب في الاصابة بالكورونا وفطريات (التينيا)!

دنقر شيل..المرحوم قدرك..قدر ظروفك..أشهر أسواق الملابس المستعملة بالعاصمة

المنظمات وتجار الملابس الجديدة معارض رئيسي للقرار.. والأطباء أكثر الفئات ترحيباً به

أوروبيون وآسيويون وعرب يلبسون من أسواق الملابس المستعملة بالخرطوم

جايبنو بالطيارة وبايعنو بالخسارة.. نموذج من أهازيج الباعة لاغراء المواطنين لشراء الملابس (السكند هاند)

 

**”تحية لتجار (القوقو)”.. عبارة يتردد صداها في كل بيوتات الأفراح السودانية تعقبها صيحات وتصفيق الجماهير بحرارة .. فبطبيعة الحال الغناء لا يخرج عن واقع الشعب الذي يعيشه خاصة إذا كان يلامس معاناتهم الحياتية بشكل يومي ويوثق للظروف الاقتصادية التي تحيط به .. فالسواد الأعظم من الشعب تنازل عن الحصول على مستلزماته بجودة تصنف درجة أولى على مستوى العيش واللبس فتوسعت سوق الملابس المستعملة بالبلاد ولها عدة مسميات منها: ( دنقر شيل) .. (المرحوم قدرك) .. (سوق الأخوان) .. (قدر ظروفك) .. ولم تنحصر على العاصمة فقط بل غزت كل أسواق البلاد بمدنها المختلفة والأطراف بشكل خاص ليتوسع نطاق (القوقو) ويشمل ملابس الأطفال حديثي الولادة ودون الخامسة دون الاكتراث للعوائق والكوارث الصحية والمخاطر البيئية الناجمة عن ذلك بصدد الحصول على قطعة بسعر رخيص تدثر الاجساد النحيلة المنهكة من وراء لهث الحصول على لقمة العيش والظهور بمظهر يحقق الرضا المجتمعي ويلبي أشواق غريزة الأناقة لدى مرتادي تلك الأسواق خاصة الجامعيون والمراهقون لكثافة الماركات التي توجد به على شاكلة (ماكس، وشانيل، وشي إن، واسبلاتش، وريت تاق ) ..

وعلى صدى ذلك أصدرت هيئة الجمارك السودانية ضوابط منعت بموجبها استيراد الملابس المستعملة (القوقو) وعدم السماح بانزالها بكل بوابات العبور السودانية حتى إن كانت عابرة لدول الجوار خاصة وأن هناك جدلاً بأن السودان أكبر مستقبلي حاويات (القوقو) .. لكن صاحبت قرار المنع أصوات تنادي بالمراجعة وعمل استثناءات لبعض المنظمات التي تستورد تلك الملابس للدور وكسوة نزلائها من فئات مختلفة .. التحقيق التالي يناقش هذه القضية من كافة جوانبها المختلفة**

 

منفستو الكتروني

وبموجب القرار منعت ايضا هيئة الجمارك السودانية ايقاف العمل باستيراد البضائع عبر شحنها بالطبالي وأن يتم الاستيراد عن طريق الحاويات المعتمدة وفق معايير التجارة الدولية والزام المستورد بارسال المنفستو الإلكتروني بنظام (الاسكودا) مسبقا وقبل وصول الحاويات.. وحظى القرار بقبول واسع لدى الأوساط الصحية والبيئية وحماية المستهلك لكونه يصب في مصلحة المواطن وعدم تعرضة لاضرار وأمراض صدرية وجلدية وفايروسات ناتجة عن هذه الملابس بما فيها وباء كورونا، إلى جانب مرض (التينيا) الشائع الذي تتسبب به الملابس المستعملة، وهي عدوى فطرية يكون شكلها في الغالب بقع بيضاء وحمراء تصيب الرقبة والكتفين لدى مرتدي الملابس المستعملة، كما أوضحت طبيبة الأمراض الجلدية بمستشفى الخرطوم د. (أميمة فضل السيد) في حديثها لـ(الحراك) بأن الاعتماد على التعقيم بمادة النفتلين يتسبب في أمراض التحسسات الجلدية بالنسبة للأطفال إلى جانب تسببها في التهاب الصدر وفي تهييج نوبات الربو، لافتة إلى أن الدراسات الحديثة اثبتت أن الملابس المستعملة غير المعقمة قد تتسبب في نقل فايروس( كوفيد19) المستجد.

 

شعب غيري

وتلعب منادات الباعة للزبائن من خلال الأهازيج والأغاني ومهارات الاغراء دورا كبيرا في جذب الزبائن والعملاء على غرار (جايبنو بالطيارة وبايعنو بالخسارة).. و(ده من دبي وسعرو لي).. من جانبها ذكرت مديرة مركز أمنية للصحة النفسية للمرأة والطفل د. (ابتسام محمود) أن السودان يمر بضائقة اقتصادية وصفتها بالعالية إلى جانب أن الشعب السوداني شعب غيري يحبذ أن يراه الغير بشكل إيجابي،خاصة الفتيات والنساء، ما جعل الغيرية تؤثر بشكل كبير على سلوكيات المجتمع من (بوبار) بالمناسبات والتجمل لكسب رضاء الآخرين، مثلا ما يسعى البعض لشراء الماركات العالمية من الملابس خاصة في ظل الانفتاح في الجامعات والشباب يشاهد كل ماهو جديد مما رفع سقف الطموح لديهم.. مضيفة بأن هذا عزز روح الغيرية لديهم لذلك حدث اللجوء والاتجاه لشراء الماركات العالمية الشهيرة من سوق الملابس المستعملة لأجل اشباع الغريزة النفسية وتحقيق الرضا المظهري، لافته بأن هناك فئة من المجتمع تعاني من خلل نفسي يجعلهم يسعون دوماً للظهور بمظهر يفوق واقعهم ناتج عن عدم تقبل الواقع الحقيقي والحياة حتى وإن نتج عن ذالك ضرر.. إلا أنها وضعت استفهاماً تراه يغلب جانباً آخر وهو: هل هذه الملابس تتمتع بمتانة وجودة أكثر من المنتج المحلي الجديد مما يشكل دافعاً لديهم لتفضيل شراء القديم بدلا عن الجديد بسعر أقل؟.. داعية الى أخذ القضية من عدة جوانب من خلال دراسة صحية تحلل الأمراض التي يمكن أن تنقل عبر الملابس المستعملة التي تم منعها من الدخول للبلاد مؤخراً بواسطة هيئة الجمارك.

 

تمدد مخيف

الجهات المختصة وغيرها لها رأي أعمق يحلل المضمون ويعطي حقائق ربما لا تخطر على بال الزبائن مرتادي أسواق الملابس المستعملة (القوقو)، بيد أن مخاطرها لا تضاهي مخاطر ملامسة الشخص المصاب بالمرض نفسه الذي يمكن أن ينتقل عبرها بما فيها وباء كورونا الذي هدد العالم مؤخراً وحتى اليوم لم يفلح في إيجاد علاج ناجع له، فكل اللقاحات تصب في تثبيت الفايروس وتقليل الأعراض للحد من نسبة الوفيات التي فاقت الملايين في بعض الدول من كل قاراته.. فمن جانبها ترى (سمية عزيز) ربة منزل ثلاثينية تقطن شرق العاصمة بأحد ضواحي بحري:

 

“شراء الملابس المستعملة وتفضيلها على الجديدة المحلية خيار فرضته الظروف والضائقة المعيشية للمواطن الذي زادت معاناته مؤخراً في ظل الزيادات المتوالية”.. ولم تخفِ (سمية) على (الحراك) بأنها اشترت كل ملابس أطفالها الخمسة من (أسواق القوقو) بسوق الوحدة بضاحية الحاج يوسف، وأضافت: “حتى طفلتي الرضيعة ذات العامين اشتريت لها ملابسها من ذات الأسواق بأسعار أقل”.. مؤكدة أن الملابس المستعملة تتمتع بجودة تتفاوت بحسب رغبة الزبون ومقدرته المالية في ظل تمسك أصحاب المحلات التجارية بسقف مالي عالٍ جداً للملابس الأطفالية، موضحة بأنه يمكن أن يتخطى حاجز الـ(100) ألف جنيه حتى تكتمل اللبسة لطفل بعمر التسع سنوات، وقالت بأنها تركت شراء اللبسة رغم بكاء ابنها على الطقم واتجهت الى سوق (القوقو) مؤكدة بأنها أستطاعت شراء ملابس أطفالها الخمسة و يبلغ أكبرهم (12) عاماً بذات المبلغ الذي يساوي ثمن لبسة واحدة فقط، مقسمة بالتوجه لشراء كسوة العيد الكبير من نفس تلك الأسواق قائلة باصرار:” وحأشتري تاني للعيد الجاي من هنا).

 

سد فجوة

فيما يرى الخبير في الشأن الاقتصادي (محمد الناير) بأن معظم دول العالم لا تؤيد استيراد الملابس المستعملة خاصة وأنها تؤدي إلى تعقيدات كثيرة جداً وأنها ناقلة للأمراض وبها الكثير من الاشكالات والتعقيدات داعياً الدولة العمل على تخفيض أسعار الملبوسات من خلال زيادة معدلات انتاج الأقطان بالبلاد مثلما تم انتاجه العام الماضي من القطن بالبلاد، إلى جانب تفعيل مصانع الغزل والنسيج في السودان ومحاولة انتاج الأقمشة لتشجيع مصانع الملابس بالداخل ما يسهم في تحقيق وفرة واستقرار كحلول يمكن أن تقي البلاد شر الملابس المستعملة وحتى استيراد الملبوسات الجديدة ما يقلل فواتيرها بصورة كبيرة.. مشيرا في حديثه لـ(الحراك):”الوضع والظروف الاقتصادية تسببت في عدم اللجوء إلى كسوة الأعياد كما كان في السابق وذلك يرجع إلى الدولة التي يمكنها معالجة هذا الأمر بدعم الانتاج المحلي من الملبوسات بجودة ومواصفات ذات معايير محددة وهو الأفضل كخيار استراتيجي بزيادة الرقعة المزروعة بالأقطان وزيادة مصانع الغزل والنسيج لتفعيل الانتاج وسد فجوة الحاجة للجوء إلى تلك البدائل معتبراً إياها مشاريع اجتماعية تعمل على تشغيل العمالة المحلية بصورة كبيرة خاصة العنصر النسائي الذي يشغل جزءاً كبيراً جداً من الأيادي العاملة بقطاع انتاج الملبوسات”.. وهو ذات الرأي الذي ذهبت إليه مديرة مصنع ومعرض زهرة السوسن للملابس الجاهزة (س) إلى أن المشغل يضم حالياً مايفوق المائتين أغلبهم من النساء الشابات إلى جانب الخريجين من الجنسين، لافتة أن الخامات الموجودة في السوق السودانية بها قدر من الجودة والمتانة إلا أنها أقرت بضعف التسويق الذي يفتقده المنتج السوداني خاصة وأنها تطمح للوصول إلى السوق العالمية لزيادة الثقة في المنتج المحلي.

 

مع التجار

لم يكن السودان وحده الذي توجد به سوق للملابس المستعملة و غالبا تتدفق من الدول النفطية بالخليج العربي خاصة المملكة العربية السعودية وحتى تركيا والهند ودبي وذلك حسب استطلاع (الحراك) لعدد من تجار (القوقو) بوسط السوق العربي والأفرنجي رغم تكتمهم على ذكر بعض المصادر والطرق التي تصل بها تلك الملابس إليهم.. وقال (ج ) وهو تاجر ومورد ملابس مستعملة بأن هذه التجارة رائجة ومربحة وغير منبوذة فهي تعتبر سوق عمل للشباب، كاشفاً عن وجود عدد كبير من خريجي الكليات بمن فيهم خريجو المجال الطبي يعملون في تجارة الملابس المستعملة.. أما مورد وتاجر الملابس المستعملة (ج) فاوضح بأن ليس كل بالآت الملابس المستعملة وجهتها النهائية السودان بل هناك بآلات تأتي عابرة لبعض الدول الافريقية التي تعتبر هي الأخرى أكبر مستقبل للملابس المستعملة.. وهو ذاته ما أكده تاجر آخر بسوق (دنقر شيل ) بسوق ليبيا أبو زيد الواقع من الناحية الشمالية الشرقية لمدخل أبو زيد بامدرمان، حيث ذكر بأن الملابس المستعملة نفسها تنقسم بحسب الفرز الذي يتم لها وبحسب إفادته فهناك (قوقو) نظيف يعد درجة أولى وهو غالباً ملابس ذات جودة عالية تشمل ماركات عالمية مثل (ماكس، وشانيل، وشي إن، واسبلاتش، وريت تاق)، وهي ما تجعل الشباب من الجنسين أكثر قابلية لها.. إلا أن جولة الـ(حراك) أظهرت تبايناً في جودة تلك الملبوسات، فهناك البالي منها وهناك الذي يحمل العديد من البقع بل تآكل تظهر عليه طبقات لونية مختلفة وأحياناً بها روائح مهيجة للحساسية وبعض أمراض الجهاز التنفسي .. ولم يكن السودانيون وحدهم مرتادي تلك الأسواق فهناك جاليات أجنبية مقيمة بالسودان ترتاد تلك الأسواق من بينها جاليات آسيوية وأوروبية أيضا وعربية كما رصدتهم (الحراك) خاصة بالسوق العربي و الأفرنجي الذي ترتاده بشكل كثيف جالية دولة جنوب السودان.

 

المنظمات تعارض

رغم اتفاق الكثيرين مع هيئة الجمارك بأن الملابس المستعملة لها اضرار بالغة الأثر على المواطنين ومشتريها وتؤيد قرار منعهاها إلا أن هنالك بعض الأصوات التي تعارض ذلك القرار من بينها المنظمات التي تأوي وتكفل عدداً من فئات المجتمع المتعففة خاصة فئة الأطفال بدور التشرد والأيتام وغيرها والتي تأتيها دعومات خارجية من دول ميسورة من بينها الملابس.. حيث ذكر مصدر معارض لهذا القرار رفض ذكر اسمه وجهة التبرع التي تدعم المنظمة التي نتحفظ على ذكر اسمها بأنه الأكثر تضرراً من ذلك القرار، وأوضح المصدر:”ليس كل الملابس التي يتم ادخالها بالسوء الذي يتم الحديث عنه وسط الجهات المعنية، وأن تلك الملابس يتم تعريضها للتبخر والتعقيم بمادة النفتالين”.

             تحقيق: بتول الفكي

الخرطوم: (صحيفة الحراك السياسي)

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى