تحقيقات وتقارير

المزايدة والتخوين تطال أسر الشهداء

تسع سنوات والسيدة أحلام تحمل صورة ابنها هزاع الذي استشهد بمعية المئات في هبة ديسمبر 2013 ، السيدة التي تقيم بشمبات ظلت متمسكة بحلمها في الحصول على القصاص لصغيرها ذي الثمانية عشرة، لم يمت عندها وفي الوقت نفسه، لم تجد هي الحياة بتحقيق العدالة عقب الثورة اختارت هيئة الإذاعة البريطانية السيدة أحلام أم هزاع في قائمة النساء الاكثر تأثيرا في العالم وهو تأثير لا ينفصل عن تأثير أسر الشهداء في سودان المقاومة ومن بعده سودان الثورة لم يكن هزاع آخر شهيد وبالتالي ازدادات قائمة أمهات وآباء الشهداء وتباينت مواقفهم.

في قلب المعمعة
( أنا لم يكن لي تاريخ سياسي في السابق، ولا أرغب فلن يكون لي مستقبل في السياسة) تقول السيدة إيمان التي تعرف عند الجميع بأنها أم الشهيد قصي حمدتو، دون ترتيب منها وجدت السيدة نفسها في قلب المعمعة، وهي التي لم تكن تنتظر أكثر من أن تحتضن ابنها الوحيد صبيحة العيد، وتردد على مسامعه دعواتها الطيبة وتحقيق الأمنيات من كانت تنتظره بجلابية العيد حكمت عليها الأقدار أن تلتقيه وهو ملفوف بكفنه بعد ان تم اغتياله في احداث فض اعتصام القيادة العامة في الثالث من يونيو بمعية آخرين ومنذ لحظة وصول رفاقه اليها في المنزل وهتافهم إن أم الشهيد أمي دم الشهيد دمي ظلت ايمان حاضرة في كل الأنشطة تتقدمها مسحة حزنها الدفين وامنيتها في القصاص، فهي لم تطلب أكثر من أن يتحقق حلم ابنها في سودان الحرية السلام والعدالة سودان لا تفقد فيه أم أخرى جناها عندها ستكون نالت القصاص كاملاً وفقاً لتصريحاتها وختمت: (أنا مكن اتسامح في دم قصي لو بضمن دولة ما تكتل جنا قدرو ولو بضمن أنو ما تكون في أم تانية تعيش في جناها الوجع العشتو في قصي) …

 

صنع الحياة
وفي كتاب سودان ما بعد ديسمبر صفحة اسمها الصادق سمل، الرجل الذي جعل منه موت ابنه البكر (قديساً) حسب ما يناديه الشارع، ولا يكاد الثوار ينطقون اسمه إلا مسبوقاً بعبارة أبونا سمل الذي يخوض معركة أن يحول حزنه على ابنه والآخرين إلى طاقة تحطم بنية الدولة التي تقتل شعبها، وفي هذا الطريق فهو مثل أم قصي مستعد أن يتنازل عن دم ابنه باعتباره قرباناً يمنع دماء أخرى من أن تسيل يتمني لو أن موت محمد تحول إلى حياة لآخرين حينها سيكون أكبر الكاسبين، وهو ما جعله يسعى بغية بناء مشروع جديد مشروع للحياة يسعي (لتلجيم) هذه القدرة المؤسسية على القتل وبخلق كوابح لضبط وتحييد أدوات هذا العنف وأن يتحمل في ذلك الكثير من الصبر و الحكمة و التمسك بخيارات السلمية وإن ضاقت لأن فعل صنع الحياة أصعب وأقسى من فعل القتل .

من السهل الضغط على الزناد ولكن الصعب جداً هو القدرة على التحكم فيه… صنع الحياة صعب جداً فهو قدرتنا على (الضبط) وهذا ما نحتاج لفعلة الآن لكي ننجو .

 

حملات التخوين
لكن في المقابل لم ينج سمل ولا السيدة إيمان من حملات تخوين بسبب الموقف السياسي من الأوضاع الراهنة والموقف من العدالة والقصاص فقد لاحقتهم الاتهامات ببيع دماء أولادهم، وهو أمر سبق وأن رد عليه الصادق سمل في وقت سابق بينما ما يحرك الراكد الآن تدوينة علي الفيسبوك كتبتها مني سليمان وقالت فيها للأسف أم قصي حمدتو نست ولدها الربطوا رجلينه بالبلوكات ورموه في النيل وهسة قاعدة تطبل لناس التسوية شركاء القتلة يخسي على الضمير الميت وعدم الأخلاق) وكانت التغريدة قد وجدت ردود فعل غاضبة من كثيرين اعتبروا أن ما يتم هو محض مزايدات في غير مكانها وأن لا أحد يحس مرارة فقدان الابن مثل والديه، وهو أمر يضاف لتحذيرات سابقة من ضرورة عدم اقحام قضايا الشهداء في معترك النزاع السياسي والمواقف المتضاربة وتصفية الخصومات السياسية خصوصاً وان صاحبة التدوينة تنتنمي للحزب الشيوعي الذي أرسل خطاباً أعلن من خلاله رفضه الاجتماع مع الآلية الثلاثية لأن حوارها يكرس لما سمَّاه إمكانية الإفلات من العقاب.

رفض قاطعش
لكن في مقابل موقف سمل وإيمان فإن الموقف المعلن لمنظمة شهداء ديسمبر التي ينشط فيها معظم أسر الشهداء أعلنت رفضها القاطع لأي تسوية سياسية تتجاوز العدالة، وأردفت أنه لا توجد أي جهة سياسية يمكنها أن تمرر التسوية في قضايا القصاص وفي أوقات متتابعة أعلنت المنظمة عن التزامها التام بقضية العدالة باعتبارها أحد أهم مطلوبات ثورة ديسمبر، وأن الموقف الذي تبنته المنظمة في مواجهة حكومة ما قبل قرارات 25 أكتوبر، ومواجهتها تحت فرضية ضعفها في تحقيق العدالة مقروناً ذلك بالمعارك التي خاضتها المنظمة في مواجهة رئيس لجنة التحقيق في أحداث فض الاعتصام نبيل أديب وتلويحها بتحويل القضية إلى محكمة الجنائيات الدولية وتتهم قيادات في المنظمة أعضاء المجلس العسكري وقتها ومجلس السيادة الآن بالضلوع في قتل المعتصمين أمام ساحة القيادة وتنادي بمحاكمتهم على تلك التهم بينما تخرج المواكب مرددة الهتاف الأشهر 130 المشنقة بس.

نماذج العدالة
في التساؤل حول القضية الخاصة بالعدالة وبالطبع حقوق الشهداء فإن البعض يمضي في استدعاء نماذج العدالة الاجتماعية كأحد الحلول المطروحة فبدون عدالة ومصالحة لا يمكن تحقيق الاستقرار، ذوي الضحايا يرفعون شعار القصاص، ومن يتحكمون في الامر الان يرفعون سلاحهم في مواجهة هذه الدعاوى فلا أحد سيسلم رقبته إلى المشنقة في سياق العدالة الانتقالية يكتب الصادق سمل: “عدد أسر الشهداء الذين يتحدثون عن العدالة الانتقالية كطريق للحل و مخرج لتعقيدات الحاضر السياسي ليس كبيراً أبداً عطفاً على كمية القهر السياسي الذي يمارس عليهم لاسكات هذا الصوت .

مع العلم أن أغلب الأحزاب والمواثيق السياسية إن لم تكن جميعها لا تخلو رؤاها للحل من مقترح العدالة الانتقالية .
علي الأقل خلونا (روّاب )….. البيستلم السلطة فيكم بيحتاج لينا) لكن دعوة سمل للعدالة الانتقالية تقابلها في المقابلات رؤى رافضة وبشدة، حيث أنه لا يمكن تصور تحقق عدالة انتقالية في ظل سيادة نموذج السلطة الراهن في البلاد.

الخرطوم: (صحيفة السوداني)

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى