تحقيقات وتقارير

نصف عام على الانقلاب وحصيلة تنفيذ الوعود (صفر)

أكمل أمس الأول انقلاب قائد الجيش، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، ستة أشهر، تولى فيها البرهان الحكم، في وقت لا تزال فيه البلاد تعيش فراغاً حكومياً، وتراكماً يومياً لعجز الانقلاب وفشله.

 

الثورة المختطفة
في 25 أكتوبر الماضي، أعلن قائد الجيش حالة الطوارئ، وتعليق العمل بعدد من مواد الدستور، وحل مجلسي السيادة والوزراء، واعتقال عدد من أعضاء المجلسين وقيادات الأحزاب، وكل ذاك بمبرر تصحيح مسار الثورة السودانية “المختطفة” عنده من “تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير” الحاكم، الذي اتهمه البرهان بالفشل السياسي والاقتصادي والأمني. وتعهّد البرهان في يومه الأول بتشكيل حكومة كفاءات مستقلة، وتحقيق متطلبات العدالة والانتقال، وتشكيل مفوضية لوضع الدستور، ومفوضية للانتخابات، ومجلس للقضاء العالي، ومحكمة دستورية، ومجلس نيابي، وحدد نهاية الشهر التالي للانقلاب، أي شهر نوفمبر الماضي، موعداً نهائياً لتنفيذ تلك الوعود، طبقاً لما جاء في بيانه الأول.

وبدخول أمس الأول، ينقضي نصف عام على الانقلاب ووعوده، والبرهان ومن خلفه المجموعات العسكرية والسياسية الداعمة له عاجزون تماماً عن تنفيذ أي من الوعود السابقة، وفي مقدمتها تشكيل حكومة كفاءات مستقلة، لتستمر البلاد في حال من الفراغ الدستوري، قد تكون الأطول في تاريخ السودان، إلى جانب الفراغ الموجود أصلاً نتيجة عدم تشكيل البرلمان والمحكمة الدستورية والمفوضيات المستقلة، وغيرها من هياكل السلطة الانتقالية.

وعود لم تتحقق
وطوال الأشهر الستة الماضية، لم يفعّل الانقلاب أية خطوات تأسيسية لأي من الهياكل السابقة، سوى تشكيل مجلس السيادة، وإعادة تنصيب البرهان رئيساً للمجلس، وتعيين قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو نائباً له.
ولم تكن وعود الانقلاب العسكري مقتصرة على إعادة تشكيل هياكل السلطة الانتقالية وإكمالها فحسب، إذ تعهد الانقلابيون بتحسين الأوضاع المعيشة المتدنية، التي “تسببت فيها حكومة الحرية والتغيير”، وكذلك ضبط التفلتات الأمنية وحسمها، سواء في العاصمة أو الولايات، مع تعهّد خاص بحلحلة ملف شرقي السودان، والذي قادت تعقيداته إلى إغلاق الموانئ الرئيسة في البلاد، وإغلاق الطرق الرابطة بينها وبين بقية مدن السودان، وذلك قبل نحو (45) يوماً من الانقلاب.

تدهور الأوضاع
وبعد مضي نصف عام، ازدادت الأوضاع المعيشة سوءاً، نتيجة تدهور سعر العملة الوطنية، وعودة تجارة العملة والمضاربة فيها، وغلاء أسعار السلع الضرورية والدواء، كما ضاعفت السلطات الانقلابية أسعار المشتقات البترولية والكهرباء والخبز لأكثر من (300%)، كما تدهورت الأحوال الأمنية في الخرطوم بشكل أسوأ مما كانت عليه قبل الانقلاب، ولأكثر من مرة خلال الأشهر الستة الماضية، انفجرت النزاعات القبلية في إقليم دارفور، آخرها في منطقة كرينك بولاية غرب دارفور، والمستمرة حتى اليوم، مخلفة عشرات القتلى ومئات الجرحى.

 

عزلة دولية
فوق كل ذلك، عاد السودان بعد الأشهر الستة الماضية بالكامل إلى العزلة الدولية، ولا يزال الاتحاد الأفريقي يجمّد عضوية السودان، وقد أوقفت الدول ومؤسسات التمويل الدولية مساعداتها المالية والاقتصادية التي كان من المفترض أن تصل إلى أربعة مليارات دولار خلال العام الحالي، وما لم تعُد الأمور إلى نصابها، فإن عملية إعفاء السودان من نحو (50) مليار دولار، التي بدأت بمراحل مختلفة في العام الماضي؛ مهددة كذلك بإيقافها تماماً بعد تجميدها بُعيد الانقلاب مباشرة.

 

ومن اللافت أن دولاً عربية، تحمست للانقلاب العسكري بشكل أو بآخر في الأيام الأولى له؛ ولم تدعم السلطة الانقلابية لتتجاوز تحدياتها الاقتصادية وسد العجز الناتج عن وقف مؤسسات التمويل الدولية لمساعداتها المالية، وفي نهاية المطاف قل حماس هذه الدول، ولم تقدم أي شيء للانقلاب.

 

مقاومة الانقلاب
على الضفة الأخرى وطوال الفترة السابقة، لم تفتر عزيمة مناهضي الانقلاب من “لجان المقاومة” وأحزاب سياسية ونقابات، حيث واصلت تنظيم الحراك الثوري ومقاومة الانقلاب، وإن انخفضت وتيرة الحراك بعض الشيء خلال شهر رمضان؛ لأسباب تعود إلى طبيعة الشهر الفضيل.

 

يقول القيادي في التحالف السوداني المعارض، شهاب إبراهيم لـ(العربي الجديد)، إن كل أزمة سودانية لم يفعل فيها الانقلاب سوى تعميقها، ثم ارتد الانقلاب عن كل شيء، وعاد في الآونة الأخيرة ليدشن مرحلته النهائية بإطلاق سراح رموز النظام السابق، وإعادتهم لمفاصل الدولة، وبهذا يريد الانقلاب أن يجعل منهم حاضنة سياسية مدنية بديلة. مؤكداً أن الحل الحقيقي يكمن في تطوير مبادرة مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة، على أن تكون العملية السياسية التي تتبناها المنظمة الدولية فرصة لإنهاء الحالة الانقلابية في البلاد، أو ما سمَّاه “سلطة الأمر الواقع”، مشيراً إلى أن الانقلاب أدخل البلاد في نفق مظلم داخلي وخارجي، ولا مخرج منه إلا برحيله وتنحية رموزه.

نتائج وخيمة
من جهته، يرى القيادي في لجان المقاومة السودانية، زهير الدالي، في حديث مع (العربي الجديد)، أن توضيح نتائج الانقلاب لا يحتاج لكثير عناء، فهي وخيمة ودمرت البلاد بجعلها في حال سيولة أمنية مستمرة، وعمت الفوضى وعاد الفساد والاستبداد، والجميع بات يدرك أنه لولا الانقلاب لكانت الحال أفضل بكثير مما هي عليه اليوم.

وحول مدى قدرة الحراك الثوري على هزيمة الانقلاب، وسبب عدم تحقيق الهدف نفسه خلال الأشهر الستة الماضية؛ يوضح الدالي أن الحراك ورغم أنه لم يصل إلى غايته؛ فإنه حقق نتائج إيجابية، بفرض عزلة داخلية وخارجية على الانقلاب منذ اليوم الأول، مشيراً إلى أن الشعب السوداني لم يستكن أو يستسلم، كما كان يحدث مع الانقلابات السابقة، موضحاً أن الانقلاب في ظل ظروف العزلة الحالية بات غير قادر على الإمساك بخيوط اللعبة، ويستمر في الفشل في إصدار أي قرار جوهري ومفصلي، وغير قادر على التحرك بحرية.

وأكد الدالي أن وحدة قوى الثورة أمر ضروري وحتمي لضمان هزيمة انقلاب البرهان وزمرته، مبيناً أن تلك الوحدة ستتحقق كلياً بعد عطلة عيد الفطر المبارك، وفقاً لكثير من المؤشرات والتقديرات.

 

خيارات الشارع
في المقابل يشهد الشارع السودان عامة ولجان المقاومة خاصة حراكاً مستعراً على خلفية محاولات إنتاج مركز موحد لقوى الثورة، في سياق محاولة ملء الفراغ الذي خلفه تشظي قوى الحرية والتغيير.. وتعكف اللجان حالياً ــ بحسب مصادر مطلعة ــ على المواءمة بين ميثاقي الثورة لسلطة الشعب الذي تقوده لجان مقاومة الولايات، وميثاق سلطة الشعب الذي أعلنته الخرطوم؛ وذلك في أعقاب الاجتماع المشترك الشهير الذي أفضى لسلسلة حوارات سرية بين الطرفين.
ويرى الثوار أن البديل الموضوعي لاستلام السلطة هو البرنامج الثوري الذي ينعكس تنفيذه في تحقيق مطلوبات ثورة ديسمبر المجيدة، ويعتبرون أن التفاعلات التي حدثت طيلة الفترة الماضية ما هي إلا فلترة للشارع الثوري، وفرز لـ(الكيمان) بهدف إخراج المتسلقين والانتهازيين والسلطويين، ويؤكدون أن المستفيد الأول والأخير من حدوث تسوية في البلاد هم الثوار أنفسهم؛ لجهة أن التسوية لن تجد قبولاً لكنها ستفرز قوى الهبوط الناعم عن بقية التيارات والقوى الثورية؛ مما يجعل الرافضين للتسوية هم المركز البديل لقوى الثورة.

آخر المحطات التي تسببت في اشتعالات بين الثوار والمكون العسكري في المشهد، كانت الدعوة التي أطلقها رئيس مجلس السيادة، حاثاً فيها الثوار على طيِّ صفحة الماضي، واستضافتهم على مائدة إفطار رمضاني، ليأتي رد الفعل سريعاً من لجان مقاومة الخرطوم في بيان أعلنت فيه رفضها القاطع لدعوة الإفطار الرمضاني.

وأوضحت تنسيقية لجان المقاومة بولاية الخرطوم، التي تقود احتجاجات مقاومة الانقلاب، أنها لم تتلقَّ دعوة رسمية بهذا الشأن، مشددة على “عدم التصالح مع القتلة”.

ونفت تنسقيات لجان المقاومة بولاية الخرطوم، في البيان، صلتها أو حضورها إفطار الانقلاب، “حيث إن الموقف الثابت (لا تفاوض، لا شراكة ولا شرعية) ينطبق على كل مواقفنا”.

وأشارت لجان المقاومة إلى أنها “خرجت من رحم المعاناة التي يعيشها الشعب من قتل وتشريد وتضييق إقتصادي وانفلات أمني؛ لذا لا تصالح مع القتلة”.
وقالت لجان المقاومة إنها لم تصلها دعوة رسمية للإفطار من قادة الانقلاب، لأنهم “يعجزون عن تقديم الدعوة بطريقة رسمية؛ لأن قلب القاتل يرتجف خوفاً وذعراً من التعامل مع رفقاء من قتلوهم غدراً”.

وتمسك البيان باستمرار لجان المقاومة “في مسيرة اقتلاع الحكم العسكري من السودان إلى الأبد، وإرجاع المؤسسة العسكرية لمهامها دون مساومة أو رضوخ، وهي رحلة أوشكت على الانتهاء ليتساقط الخونة معاونو قوات الاستعمار في البلاد”.

وكان قد تردد في منصات التواصل الاجتماعي، على نطاق واسع، أن رئيس مجلس السيادة الإنقلابي، عبد الفتاح البرهان، وجه دعوة إلى لجان المقاومة لحضور حفل إفطار على شرف الثوار في باحة القصر الرئاسي يوم التاسع والعشرين من رمضان المقبل، الذي يصادف تاريخ وقوع مجزرة فض الاعتصام في محيط مباني القيادة العامة للجيش عام 2019؛ مما أثار موجة من الدهشة والاستهجان في صفوف الثوار.

     تقرير: عبد الحميد عوض

الخرطوم: (صحيفة السوداني)

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى