حيدر المكاشفي

حيدر المكاشفي يكتب: الفريشة..الثوار الجدد

فوجئ القادمون الى وسط الخرطوم صباح أمس، بفوضى ضاربة تعم منطقة السوق العربي وموقفي جاكسون وكركر، بسبب عمليات الكر والفر التي كانت تدور بين القوات النظامية وبعض اصحاب المحال التجارية والفريشة، نتجت عنها عمليات تجريف لمحال تجارية ومصادرة واتلاف بضائع متنوعة للفريشة، في مقابل ذلك لجأ المتضررون من تجار وفريشة لحرق الاطارات وتتريس عدد من المداخل والشوارع، فاستخدمت القوات العنف واطلاق البمبان بكثافة لتفريق المحتجين الغاضبين، ما أدى الى حالة انفلات وفوضى عارمة تخللتها عمليات سلب ونهب وتهشيم لزجاج عدد من السيارات، في مشهد يعيد ما حدث في السوق المركزي بالخرطوم قبل عدة أيام بحذافيره، حيث عمدت السلطات منذ مدة على اطلاق ما تسميه حملات لتنظيم الأسواق ومكافحة الانفلات الأمني والصحي والتردي البيئ وفك الاختناق المروري الذي يتسبب فيه هؤلاء الباعة، دون أن تطرح بدائل لهؤلاء الباعة والفريشة تمكنهم من مواصلة العمل لاكتساب رزقهم، خاصة وأن معظم هؤلاء الباعة والفريشين من الشباب والنساء الذين اضطرتهم ظروف شتى على رأسها الحروب التي نشبت في بعض المناطق (دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق)، ولم يجدوا فرصة عمل لاكتساب الرزق غير امتهان هذه المهن،
ولهذا وعملا بالمثل القائل (قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق)، تعاهدوا على التصعيد ضد السلطة التي تسعى لقطع أرزاقهم، وكان كل ما يهمها هو اجلائهم من أماكنهم، دون أن تهتم بمصيرهم في ظل هذه الازمة الاقتصادية الخانقة وكأنما تدفعهم للتهلكة وتقول لهم فلتذهبوا الى الجحيم فلا يعنيني من أمركم شئ، وتشير بعض الإحصاءات إلى أن أكثر من 3 آلاف شخص غالبيتهم شبان وبينهم نساء اختاروا افتراش الأرض لبيع سلع وبضائع مختلفة، خصوصا في منطقتي سوق كركر وموقف جاكسون والسوق العربي وسط الخرطوم، وظلت قضية هؤلاء الباعة والفريشة والباعة الجائلين وستات الشاي، تراوح مكانها منذ سنين عديدة بلا حل عادل وناجع تقدمه السلطات، ولم يعد أسلوب الكشات والحملات اللا انسانية مجديا في وضع حد لها، فمن لم يجد عملا بديلا يوفر له قوت يومه، لن يتخلى عن عمله الذي يمارسه مهما بلغ العسف والعنف..
نعم ان تنظيم الأسواق وضبطها وتنظيفها وتسهيل الحركة داخلها، مما لا يختلف عليه اثنان، ولكن لازالة أي مظاهر سالبة أو تشوهات داخل الاسواق، يستلزم بدءا وضع خطة متكاملة، لا تعنى فقط بالنظام والنظافة، وانما قبل ذلك وضع معالجات مرضية ومقبولة لمن تود اجلاءهم، وهذا هو الجانب الأهم ولكنه للأسف مفقود في حملات تنظيم الأسواق، وكأن هذه السلطات لا تعرف شيئا غير استخدام القوة والعنف، في حين أن هؤلاء الباعة والفريشين تقدموا للسلطة عدة مرات بعدة مبادرات ومقترحات لحل المشكلة، غير أن السلطة لم تعرهم انتباهة ولم تسعى من جانبها لتقديم أي حلول تحفظ لهؤلاء الفريشة كرامتهم وآدميتهم، وظلت كالعهد بها لا تعرف غير لغة الرصاص والبمبان والضرب، وبهذه الحماقة وانغلاق الافق والغباء تكسب الحكومة اعداء جدد ويكسب الشارع الثوري ثوار جدد، ينضمون للركب مناهضين للظلم والعسف والجبروت..

 

 

 

 

 

 

صحيفة الجريدة

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى