نظام الجبهة الاسلامية اعتمد على نظرية تمدد الحزب الواحد
التعايش السلمي التعددي هو ما نحتاجه لاشاعة روح السلام
لدينا مشكلة مع (تجنيس) القبائل الحدودية التي لا ولاء لها ولا وطن
اشارت البروفيسور بلقيس بدري الناشطة في مجالات حقوق الانسان بان نظام الجبهة الاسلامية البائد عمد الى اذكاء نار الفتن والحروبات المناطقية باستعمال نظرية فرق تسد لاعتماده على النظام القبلي لادارة الموارد وتحصيل الايرادات، واشارت إلى ان نظام الجبهة الاسلامية عندما وصل إلى سدة الحكم عبر انقلاب 1989م عمد على تفعيل نظرية تمدد الحزب الواحد وتفتيت القبلية عن طريق خلق الفتن بين القبائل وتسليح بعضها واستعمال بعضها ضد الآخر ليكون من المساندين له حيث تعتمد النظرية على الهيمنة والسيطرة المركزية للحزب الواحد واضعاف الأحزاب الأخرى، ووصل الأمر لدرجة العمل العسكري حتى وصل الابادة الجماعية.. وأكدت أن مسألة التعايش السلمي بين المواطنين مع تعددهم هو أساس خلق وطن يتمتع بالسلام ..وقالت إن امريكا بدأت تمد يدها لمساندة النظام الديمقراطي ومسألة التحول بشكل أكبر وصولاً للمجتمع المدني كامل الدسم.. كثير من المحاور تناولناها مع البروفيسور بلقيس وكان هذا الحوار..
*بداية بروفيسور بلقيس بدري برأيك لماذا عمد النظام البائد الى اذكاء الحروب المناطقية والعرقية التي لم تخمد نيرانها بعد لتظهر مرة تلو الأخرى؟
النظام البائد منذ وصوله عبر الانقلاب استخدم نظرية فرق تسد لكي يتمكن من ترسيخ وجوده خاصة وانه جاء بانقلاب وعليه في دولة حديثة مثل السودان بحدوده القائمة منذ وقت الاستعمار ظل يعتمد على النظام القبلي لادارة الموارد وتحصيل الايرادات وحل الخلافات المجتمعية واعتماد نظام المحاكم الأهلية والاعتماد على النظام القبلي لادارة النزاعات ،لذا كان لابد ان يتغلغل النظام الجديد في هذا الوضع ليكسب بعض القوة عبر استمالة قبائل على حساب أخرى.
*إلى ماذا ترجعين حدة الصراعات العرقية والقبلية في مجتمعات مسالمة ومنصهرة في بعضها منذ أمد بعيد كالمجتمع السوداني؟
نظام الادارة الأهلية والقبلية استمر لما بعد الاستقلال كنظام يؤدي إلى تعايش سلمي وادارة الموارد والدولة بتكلفة بسيطة وفيه قدر من توسيع السلطات على مستوى الأقاليم وادارتها بقدر كبير لأنفسهم عن طريق تلك الإدارات.. ولكن جاء عهد نميري واعتبر ان النظام الادارة الأهلية دليل تخلف ويعطل بناء دولة حديثة ويعيق مركزية السلطة والادارة عن طريق الخدمة المدنية والحزب الواحد وهو الاتحاد الاشتراكي، لهذا أضعف نظام نميري الادارة الاهلية وقلص مهامها ولكن لم يؤدْ ذلك لتغيير ثقافي بعدم الانتماء القبلي والجهوي المرتبط بالقبيلة.
*ما دام الأمر كذلك فلماذا استشرت النعرات القبلية وادت لتفشي الحروب؟
عندما جاء نظام الجبهة الاسلامية ووصل إلى الحكم عمد إلى نظرية تمدد الحزب الواحد وتفتيت القبلية عن طريق خلق الفتن بينها وتسليح بعضها واستعمال بعض القبائل ضد القبائل الأخرى، لتكون جزءاً من المساندين للجبهة الاسلامية وكانت النظرية تعتمد على الهيمنة والسيطرة المركزية للحزب الواحد واضعاف الاحزاب الأخرى والانتهاء منها، وعليه تم زرع الفتن بين القبائل التي لها ولاءات حزبية مختلفة في المرحلة الأولى وحين حدثت معارضة مسلحة بدأوا يزرعون ليس فقط الفتن بين القبائل ،بل بدأوا العمل العسكري ضدها حتى وصل حد الابادة الجماعية. ولم يفلحوا في اي من المحاور الانتصار العسكري او جعل الاغلبية العظمى من القبائل موالية لهم ..اذن التعايش السلمي بين المواطنين مع تعددهم هو أساس خلق وطن فيه سلام وهذا ما نحتاجه سواء ارتضوا عدم التخلص من التعدد الاثني والقبلي والديني كوسيلة للسلمية والتعايش أو ارتضوا عدم الاعتماد عليها، وكان التعدد مبني على أساس الانتماءات الحزبية المتعددة أو على مناطق السكن دون أن يكون مرتكزا على جهوية منغلقة
ولكن بالفعل كانت هناك قبائل ومجتمعات وأقاليم تشكو من تكريس السلطة والتنمية في منطاق أخرى وتشكو من التهميش ليس على أساس القبلية.
النماذج متعددة لكيفية ادارة التعدد والتنوع بين المواطنين دون تمييز سلبي وإنما ربما تمييز إيجابي، إذا كانت هناك مجموعات عانت من التهميش خلال مراحل النظم الدكتاتورية المتسلطة ذات الايديولوجية الاقصائية، كما في النظام السابق هناك وسيلة أخرى ابتدعوها لزرع الفتن على أساس القبائل الحدودية عندما قاموا بتهجير مجموعات من القبائل الحدودية من دول أخرى ومنحوهم الجنسية السودانية واعطوهم امتيازات وسلاحاً والآن نحن في مشكلة مع المجنسين من القبائل الحدودية التي لا ولاء لها لأي وطن وإنما يمكن استخدامها لزرع الفتن، وهذه هي المشكلة الأكثر صعوبة التي تواجه الحكومة الحالية لادارة التعدد القبلي الذي في أصول هويته وجنسيته ليس سودانياً وإنما تم تجنيسه خلال العهد البائد.
*ربما يشير المراقب أن العلاقة مع امريكا بها كثير من الحلول والمساندة في الفترة الانتقالية مع العلم أن امريكا سابقاً كانت تعاملنا بسياسة العصا والجزرة، الآن امريكا تساعدنا في الوصول إلى نظام مدني كامل الدسم ؟
في وجهه نظري هنالك خطوات ايجابية تسرع لعمل مفوضيات الدستور ومفوضية الانتخابات وتكوين مجالس الاحزاب لعلنا نسير في الطريق الصحيح لاكمال هياكل السلطة الانتقالية.. امريكا سابقاً كانت تعاملنا بسياسة العصا والجزرة الآن الوضع اختلف امريكا الآن تساند النظام المدني وتمد يدها للوصول لمجتمع ديمقراطي كامل الدسم وسلطة مدنية كاملة تمهد طريق التنمية والرفاه الاجتماعي عبر ديمقراطيات راسخة.
*يقول المراقب إن الصراعات السياسية افقدتنا الوصول للدولة المدنية المنشودة؟
لا اعتقد أن الصراعات هي السبب الذي يجعلنا لا نصل للدولة المدنية الديمقراطية ولكن العسكر لا يميلون إلى انشاء الديمقراطية لان الديمقراطية دائما مرتبطة بالحكم المدني لان فيه انتخابات وتغيير دايمقراطي وفي القارة السمراء عدد من نماذج الحكم الديمقراطي المستقر في رواندا وغينيا ..
*اذن هل آفة المشاكل هي الاقتصاد أم الاخلاق؟ وإلى ماذا تفتقد مجتمعاتنا السياسية؟
مسألة الاقتصاد هي مسألة مدخلات انتاج وبها جوانب مختلفة وافتكر مافي مشكلة اقتصادية نعجز عن حلها اذا اجتهدنا خاصة في مسألة مدخلات الانتاج بالاضافة إلى وجود الطاقات المتجددة وحاجتنا الى ايجاد فرص التدريب المتقدم واعتقد ان لدينا كفاءات وقدرات عالية في هذا الاتجاه.
*يشير المراقب إلى أن هنالك مشاكل ورثناها مثل مصطلحات العلمانية والهوية والصراعات الجهوية والمناطقية التي ادخلتنا الى نفق مظلم؟
لا اظن أن مسألة العلمانية بها اشكالات وهي عبارة عن حكم مدني لا يكون مؤسس على جوانب دينية، اضافة الى ذلك ان البعض يستخدمها لاثارة المشاكل على الرغم من أننا كافارقة متشابهين في السحنات وكل سكان افريقيا أو اغلبهم من اصول عربية او افريقية او يهودية او قبطية كلنا اعراق واثنيات تحكم هويتنا وتربطنا وهي بالضرورة تعني المواطنة في دولة مدنية، والسودان يقبل أن يكون دولة مدنية ديمقراطية برلمانية نتساوى فيها جميعاً ونتعلم حب الوطن ونتعايش في محبة.
حوار : ماجدة عدلان
الخرطوم: (صحيفة الحراك السياسي)