محمد عبد الماجد

محمد عبد الماجد يكتب: هل تلوثت أيدينا بدماء الأبرياء؟

(1)
العنوان يبدو صادماً – لكن هذا ما يحمّلنا له البعض باعتبارنا شركاء في جرائم القتل وفي حصد الأرواح التي شهدتها الساحة السودانية في الفترة الأخيرة.
يرد إلينا بعض الذين يقفون موقف (الحياد) أننا نكتب بلغة فيها شيء من الحدة والغلظة وأننا نحرّض شباب الثورة وأبناء الجيل الجديد على الخروج ومن ثم الموت في الشوارع السودانية. لهؤلاء يمكن أن نقول إن الثورة رفعت شعار (الثورة ما بتكتل بكتل سكات الزول). وسكاتنا هو الجريمة الأكبر التى يجب أن نحاسب عليها.
هذا الجيل يقود ولا يقاد – أما عن (العقلانية) والدعوة للتهدئة فنقول لا يمكن أن يكون مع الرصاص والغاز المسيل للدموع (عقلانية) وإن كانت فان عواقبها سوف تكون وخيمة.
أعرف أن هناك كثيراً من الناس لا يملكون غير محاسبة (الضحايا) – هم لا يملكون قدرة على محاسبة (الجناة) لذلك يتجهون دائماً نحو (الضحايا) باعتبارهم هم الجهة التي يفترض أن تتنازل وهم الذين تقع عليهم المتاعب والأضرار لذلك فان تنازلهم أو سكوتهم يفترض أن يكون واجباً خشية على أنفسهم وحمايةً لها. هم ليسوا عندهم ما يفقدونه لذلك لا ضير عليهم إن فقدوا المزيد.
هناك فئة أخرى قد نتفق معها ترى أن الذين يقتلون ويستشهدون هم الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين (16) سنة و(25) سنة، ولهؤلاء الحق في أن يسألوا وأين قيادات الأحزاب والتنظيمات المعارضة للسلطة من هذه (الاغتيالات) التي تقع فقط على يافعين ما زالوا يتلمسون طريقهم في الحياة؟
هؤلاء الشهداء لم يخرجوا من فراغ – هم أبناء لقيادات حزبية رفيعة وهم يمثلون أسراً كبيرة.. وإن كنا لا نعفي أنفسنا من أن نكون بينهم.
دائماً نقول إن الآباء والأمهات قدموا فلذات أكبادهم لهذه الثورة فاستحقوا التقدير والتحية.
الشهيد مضى وسوف يلقى جزاءه إن شاءالله في عليين – ماذا عن الأمهات والآباء الذين فقدوا أبناءهم من أجل هذه الثورة.
أما نحن فلن نبخل على هذا الوطن بأرواحنا – نملك نفس الحماس والرغبة في التغيير فإن تأخر دورنا اليوم في الشهادة قد يأتي في الغد. لا نملك أن نضع لحياتنا تواريخ (وفاة) وانتهاء (صلاحية).
ما تقدمه الشوارع الآن من شهداء وضحايا نتمنى أن نبلغ مقامهم الرفيع وأن نكون بينهم، فهم يحسدون على تلك البسالة التي تميزوا بها، مع ذلك نقول إن الحسرة والألم والحزن لا حدود لها كلما سمعنا عن خبر استشهاد أحد الشباب في المواكب الرافضة لانقلاب 25 أكتوبر.
صورهم تضج بالحياة والحيوية والسلام على مواقع التواصل الاجتماعي – نحن لا نملك هذا البهاء – فهم أنقياء فوق العادة.
هؤلاء الشهداء نحسبهم خياراً من خيار – اختيروا بعناية فائقة وامتلكوا كل الصفات الحميدة لكي يكونوا (شهداء) ، قد يؤخرنا إليهم هو أنهم أكرم منّا جميعاً ..وأننا لم نبلغ بعد مراقي مقامهم الحميد لنكون في مقامهم الجليل.
(2)
ليس هناك أسوأ من أن ترى هؤلاء الشباب يتساقطون بالذخيرة الحية واحداً تلو الآخر وعزاؤنا في أنهم يرتقون – يوجعنا أنهم يقتلون برصاص النظام – ليتهم كانوا يقتلون برصاص العدو. حتى لا نبكي عليهم مرتين. مرةً على المقتول ومرةً على القاتل.
تجاوزنا مرحلة التغيير بالنوايا والقلوب ونحن الآن في مرحلة التغيير باللسان ، ولا نريد أن نصل إلى مرحلة التغيير بالأيدي حتى لا يحدث اشتباك وفوضى.
ندرك أن هذه الثورة قادرة على أن تحقق أهدافها بالسلمية.. ونعرف أن السلمية هي أقوى سلاح وهي التي سوف يكتب لها الانتصار والعبور وإن تلاشى الضوء الذي هو في آخر النفق.
الشعب ليس عنده شيء آخر لكي يقدمه – السلطة هي التي يجب أن تتقدم وتتنازل. لا يمكن أن تسأل (الضحايا) المزيد من التضحية. لقد جادوا بأقصى ما يمكن أن تجود به الأنفس ..ليس عندهم أغلى من (أرواحهم) ليقدموها لهذا الوطن.
هؤلاء الشهداء لا يمكن أن يشكك أحد في وطنيتهم وإخلاصهم للوطن – ماذا بعد أن قدموا أرواحهم مقابل الرصاص والبمبان الذي يطلق عليهم؟
في كل موكب يلحق شهيد بشهيد كان معه بالأمس. هم بلغوا درجة من الوفاء أن ساروا على نفس الدرب الذي يطلق فيه عليهم الرصاص – يدركون أن ثمن إخلاصهم هذا هو الموت الزؤام، مع ذلك يسيرون بصدور مفتوحة.
مطلوب من الحكومة أن تتازل وأن تتراجع .. التنازل من أجل الوطن (مكسب) و(ثناء). من ثم فانهم لن يتنازلوا عن حقوق شخصية لهم ، هم سوف يتنازلون عن حق هذا الشعب وعن كراسي لا يمكن أن يجلسوا عليها على أنقاض هذا الشعب.
أننا لا نطلب أكثر من الابتعاد والاستقالة والتنحي. هذا أقل ما يمكن ان يقدموه لمن قدموا أرواحهم وأبدانهم من أجل هذه (الثورة) التي وصلوا عن طريقها للسلطة وعندما بلغوا (القصر) انقلبوا عليها.
(3)
طريق الخلاص الآن واضح – لا بد من فجر الخلاص لهذا الجيل الذي دفع فواتير الخلاص.
السكوت هو الذي يعتبر مشاركة في الجرائم التي ترتكب – إن أردنا الأمن والاستقرار علينا أن ننهي مرحلة اللا دولة التي يعيش فيها السودان الآن.
الفرجة الآن فيما يحدث هي (الجريمة) نفسها – جريمة لا تقل عن جريمة القاتل.
لا تدعوا أبناء هذا الوطن وأبناء هذا الجيل تحديداً يدفعون المزيد من (الضحايا) وحدهم.
انظروا إلى هذه (الأرواح) التي تفقد واعلموا أن لا سبيل للحفاظ على الوطن وعلى تلك الأرواح إلّا بالسلطة المدنية.
أمام كل مسؤول وكل مواطن (مسؤولية) يجب أن يؤديها من أجل الخلاص.
هذا الجيل لا تفاوضوه على التراجع فهو لن يتراجع – من حق هذا الجيل علينا أن نعطيه الأشياء التي خرج من أجلها وسدد فواتيرها.
(4)
بغم /
هم أكثر منّا وعيّاً ووطنيةً وتضحيةً فلا تزايدوا عليهم بأمن الوطن واستقراره.

 

 

 

 

صحيفة الانتباهة

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى