حيدر المكاشفي

حيدر المكاشفي يكتب: السلطة العسكرية تنفذ العصيان المدني

من اسمه يبدو واضحاً أن العصيان المدني هو تكتيك أو وسيلة من وسائل وطرائق المقاومة السلمية التي تلجأ اليها المكونات المدنية لمقاومة وضع ما أو لرفض ظلم ما، ولهذا يبدو غريبا وعجيبا أن تضطر السلطة المفترض أنها مرفوضة من قبل الجماهير المدنية، لاتخاذ هذا التكتيك المدني من حيث تدري ولا تدري، ليس ذلك فحسب بل وأيضا تستخدم تكتيك مدني آخر من تكتيكات المقاومة المدنية للسلطة القائمة، ذاكم هو تكتيك المتاريس، فالمعلوم أن العصيان المدني هو أحد الطرق التي يثور بها الناس على القوانين غير العادلة والانظمة المستبدة، وقد استخدم في حركات مقاومة سلمية عديدة، في الهند مثل حملات المهاتما غاندي من أجل العدالة الاجتماعية وحملاته من أجل استقلال الهند عن الإمبراطورية البريطانية، وفي جنوب أفريقيا في مقاومة الفصل العنصري، وفي حركة الحقوق المدنية الأمريكية..والعصيان المدني، أو كما يطلق عليه المقاومة السلبية، هو رفض الامتثال لمطالب أو أوامر الحكومة أو السلطة القائمة دون رضى جماهيري، ودون اللجوء إلى العنف، ويكون الغرض عادة من العصيان المدني هو تغيير الأوضاع القائمة المرفوضة، أو فرض تنازلات على الحكومة أو القوة المحتلة، وذلك وفق تعريف الموسوعة البريطانية، وكان العصيان المدني بمثابة تكتيك وفلسفة كبرى للحركات القومية في إفريقيا والهند، وحركة الحقوق المدنية الأميركية، وغيرها من الحركات الاجتماعية في العديد من البلدان خلال القرن الماضي وما يزال..
ولنر الآن كيف أن السلطة الانقلابية العسكرية القائمة حاليا في السودان، قد اضطرت مكرهة ومجبرة على تنفيذ الاعتصام المدني انابة عن الثوار، هذا غير تنفيذها لتكتيك التتريس الذي يستخدمه الثوار لحماية أنفسهم من البطش والقتل، ولنأخذ مثالا على ذلك ما حدث في مليونية الخميس الماضي السادس من يناير الجاري، علما بأن ذلك قد تكرر في كل المليونيات السابقة، والراجح أنه سيتكرر عند اعلان الثوار تنفيذ أية مليونية قادمة، فقد كانت العاصمة السودانية بمدنها الثلاث منذ صبيحة يوم الخميس الماضي الموافق السادس من يناير الجاري، أشبه بمدينة أشباح، حيث خلت من أية مظاهر للحياة والحركة، فاختفت لحد الانعدام حركة السابلة والعربات، وأغلقت المتاجر والمؤسسات الرسمية والخاصة أبوابها، فلم يجد العاملون والموظفون مناصا سوى ان يلتزموا منازلهم،. كما أغلقت البنوك أبوابها وتوقفت تبعا لذلك ماكينات الصرف الآلي عن العمل، كما تم تعطيل الاتصالات الهاتفية وقطع خدمة الانترنت، وأغلقت الجسور الرابطة بين المدن الثلاث لمنع المواطنين من الحركة والتنقل والحيلولة دونهم واكتساب عيشهم والزامهم بالبقاء في المنازل، وأُغلقت الطرق الحيوية بل وحتى الفرعية المؤدية الى محيط القصر الجمهوري ،إما بنشر جنود عليها أو تتريسها بالسيارات العسكرية، فخلت الشوارع تماما من أي مظهر مدني الا من حشود الجند المنتشرين بكثافة والمدججين بمختلف أدوات القمع والدهس والقتل، حتى لتحسب أنك داخل ثكنة عسكرية وليس في عاصمة البلاد، وبكلمة واحدة تعطل تماما النشاط الاقتصادي والتجاري وحركة الاستثمار والانتاج..كل هذه المظاهر تبدو لمن لا يلم بخلفياتها، أن هذا البلد يشهد عملية اعتصام مدني ناجحة، ولو علم أن هذا الاعتصام تم تنفيذه بواسطة السلطة العسكرية الانقلابية المسيطرة على الأوضاع بقوة السلاح، وليس المحتجين الرافضين للانقلاب، لضرب كفا بكف وتعجب من انقلاب الحال بهذه المفارقة المحيرة..

 

 

 

 

صحيفة الجريدة

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى