تظل أزمة تعدد الجيوش في العاصمة الخرطوم واحدة من أبرز المخاطر التي تحدق بأمن وسلامة المواطنين، سيما وأن العاصمة المثلثة تكتظ بملايين البشر العزل، وتبقى فرضية اشتعال الأوضاع والانتقال إلى مربع الصراع المسلح حاضرة في المشهد السوداني، ما لم يتم التوصل إلى صيغة مثلى تزيل الهواجس والمخاوف، وتمضي بسحب الجيوش إلى خارج المدن، وتجنيب العزل المخاطر المحتملة، وبحسب مراقبين، فإن التأخير في تنفيذ الترتيبات الأمنية قد يزيد من أزمات البلاد، لا سيما مع تعدد مهام الجيش في ظل وضع أمني هش.
وعلى الرغم من التوقيع على اتفاق السلام، إلا أن شبح الحرب لا يزال مخيماً على ناصية الاحتقان والاستقطاب الحاد الذي تعيشه البلاد، ويتخوف كثيرون من عدم اكتراث الدولة وقيادتها بمعالجة الأمر، وقبل أيام دعا تجمّع المهنيين السودانيين، إلى إنهاء ما وصفه بـ”تعدد الجيوش”، وحلّ قوات “الدعم السريع”، وكل المليشيات الأخرى والحركات المسلحة، وقال التجمع في بيان إن “إنهاء تعدد الجيوش واجب مقدم للسلطة الوطنية المدنية الكاملة النابعة من القوى الثورية القاعدية المؤمنة بالتغيير وأهداف ثورة ديسمبر، وأضاف أن مطلبه يتحقق بـ”حل مليشيا الدعم السريع وكل المليشيات الأخرى والحركات المسلحة، حيث تتم عملية نزع السلاح والتسريح والدمج في الجيش القومي المهني الواحد وفق أسس فنية ومهنية، تتحكم فيها أجهزة متخصصة”.
وحدد بند الترتيبات الأمنية المنصوص عليه في اتفاق السلام (39) شهراً لعملية الدمج والتسريح لقوات الحركات المسلحة في الجيش، والمشاركة في القوات المشتركة في دارفور المكونة من الجيش والدعم السريع والشرطة والمخابرات العامة، وهذا البند، يتعلق بالقوات ودمجها في الجيش، والأسلحة التي تمتلكها الحركات، وكلاهما حدد الاتفاق طريقة للتعامل معها، فالأسلحة تذهب إلى المخازن والجنود يدمجون في الجيش أو يُسرحون.
ولا توجد تقديرات رسمية لعدد قوات الحركات المسلحة في ولايات دارفور، والنيل الأزرق وجنوب كردفان التي سيتم دمجها أو تسريحها، بحسب بنود اتفاق الترتيبات الأمنية، ويذكر أن عدم تنفيذ بعض بنود اتفاق السلام، جعل الأطراف الموقعة عليه من الحركات المسلحة تنتقد هذا البطء، لاسيما بند الترتيبات الأمنية، وهو الملف الأكثر حساسية وتعقيداً.
وبحسب مراقبين فإن إنهاء أزمة تعدد الجيوش يتطلب الإسراع في تنفيذ الترتيبات الأمنية، والعمل على معالجة العقبات كافة التي تعرقل عملية تنفيذها، سيما وأن العملية تحتاج لإمكانيات مادية، بالإضافة إلى الأمور المتعلقة بالقوات النظامية وعمليات الدمج، مشيراً إلى أن اتفاق السلام ينص صراحة على دمج كل الفصائل المسلحة، تحت غطاء القوات النظامية والجميع متفق على ذلك، فضلاً عن ضرورة دعم حكومة الفترة الانتقالية ومفوضية نزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج بالمساعدات المادية والفنية لتنفيذ اتفاق سلام جوبا، خاصة بند الترتيبات الأمنية التي تضمن للبلاد السلام الدائم، فضلاً عن أنها ستشكل عملية الاستقرار بالبلاد.
وكان رئيس بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان (يونيتامس)، الألماني فولكر بيرتيس، أطلق جرس إنذار، قال فيه إن السلام لن يتحقق في السودان، في ظل وجود (3) جيوش، وفي الحقيقة فإن الجيوش أكثر من ثلاثة بكثير.
إنذار بيرتيس ليس الوحيد الذي تم دقه، بل الصدام المسلح الذي حدث بين تنظيمين منشقين من واحدة من الحركات «تمازج» في الخرطوم، وتبادل إطلاق النار بينهما، واستيلاء حركة تحرير السودان جناح مني أركو مناوي على مكاتب اللجنة الأولمبية السودانية.
بينما يشدد خبراء على أن القوات المسلحة، وبما تمتلكه من قدرات وأجهزة استخبارات قادرة على التصدي لكل المخاطر، واستكمال مسيرة السلام، وتنفيذ بنود الاتفاق، سيما الترتيبات الأمنية، وهو ما يعني إنهاء تعدد الجيوش في البلاد.
مهند عبادي
صحيفة السوداني