تحقيقات وتقارير

اغتيال الطبيبة “الجميلة” يشعل مواقع التواصل.. من يطلق الرصاص على المتظاهرين في السودان؟

ما زلت جميلة، حرة، كاملة، محترمة، غالية، محبوبة، شجاعة، عظيمة، ملهمة، قوية. هكذا حدثت ست النفور أحمد بكار الناس عن نفسها عندما كانت تحمل لافتة عليها تلك الكلمات خلال أحد المواكب، وهي التي لم تغب عن أي من المظاهرات التي خرجت أخيرا طلبا للعدالة والقصاص لمن سقطوا خلال الثورة على نظام عمر البشير نهاية عام 2018 وحتى سقوط النظام في 11 أبريل/نيسان 2019.

 

لكن “ستنا” -كما يحلو لأصحابها مناداتها- اغتيلت برصاصة مباشرة في الوجه يوم الأربعاء الماضي، أثناء مشاركتها في مظاهرات بالخرطوم بحري غاضبة على قرارات قائد الجيش عبد الفتاح البرهان التي اتخذها في 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وحل بموجبها حكومة عبد الله حمدوك وفرض حالة الطوارئ في البلاد.

 

باتت الشابة (25 عاما) المتخرجة في كلية التمريض بجامعة النيلين ملهمة للمئات من السودانيين، بعد أن ظلت واحدة من ركائز المقاومة السلمية ورمزا للعمل الميداني وباثة للحماس وسط المتظاهرين، ولا سيما إبان اعتصام القيادة العامة عام 2019، حيث عكفت على تقديم الخدمات الإسعافية والمساعدات العلاجية، وبعد إجراءات البرهان الأخيرة لم يخل موكب لمطالب الثوار من وجودها، فعرفت بين آلاف المتظاهرين بوجهها المميز وحماسها الدفاق.

 

وبعد دقائق من إعادة خدمة الإنترنت إلى الهواتف النقالة عصر الأربعاء، سيطرت صورة الطبيبة على وسائل التواصل الاجتماعي، ونعاها المئات من الأصدقاء والمعارف، كما بث ناشطون فيديو صادم للحظة إصابتها بالرصاص حين كانت تقف مع مجموعة من المتظاهرين في ميدان فسيح بالخرطوم بحري، بينما كانت قوات عسكرية تطلق النار من مسافة بعيدة.

 

جدل الأرقام
وبحسب لجنة الأطباء المركزية (غير حكومية)، فإن 15 من المحتجين قتلوا بالرصاص خلال احتجاجات الأربعاء التي وصفت بأنها الأكثر دموية منذ 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، كما جرح ما لا يقل عن 100 آخرين بنحو متفاوت، منهم من حالته خطيرة.

 

كما تحدثت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشليت، عن مصرع 39 شخصا على الأقل بيد قوات الأمن السودانية منذ أحداث 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

 

وذكرت باشليت -في بيان الخميس- أن من بين هؤلاء، قتل 15 شخصا بالرصاص الأربعاء خلال الاحتجاجات التي اندلعت في الخرطوم، والخرطوم بحري، وأم درمان.

لكن المدير العام لقوات الشرطة الفريق أول حقوقي خالد مهدي إبراهيم، نفى بشدة -خلال مؤتمر صحفي الخميس- استخدام الرصاص ضد المتظاهرين.

 

وقال إبراهيم إن الشرطة لا تستعمل أسلحة نارية بل معدات قانونية معروفة عالميا، من غاز مسيل للدموع ومعدات فض الشغب، وأن التحري والتحقيق جارٍ لمعرفة من يطلق النار، قبل أن يشكك في الأرقام التي يتم تداولها حول عدد القتلى، قائلا إن المضابط الرسمية تحدثت عن قتيل واحد في حادثة لا تمت بصلة للاحتجاجات الأخيرة.

 

غير أن الوقائع على الأرض والعديد من التقارير الطبية كشفت عن مقتل ما لا يقل عن 6 من المتظاهرين في الخرطوم بحري فقط، كما تداول نشطاء صورا لضحايا مجهولي الهوية وأطلقوا نداءات لمن يتعرف عليهم.

 

ويؤكد الناشط في لجان المقاومة بالخرطوم بحري محمد عبد الله، أن السرادق المنصوبة في العديد من أحياء بحري تفضح خطل رواية الشرطة، قائلا للجزيرة نت “إن عزاء أحد الشباب يقام في حي الدناقلة على بعد خطوات من مركز رئيسي للشرطة، علاوة على آخرين سقطوا في أم درمان والخرطوم بما لا يجدي معه الإنكار”.

 

ويشير كذلك إلى أن “قوات بزي الشرطة كانت تلاحق المتظاهرين داخل الأحياء، وتمنعهم من إسعاف المصابين علاوة على تعاملها المفرط في العنف غير المبرر مع الشباب رغم سلميتهم وصدورهم العارية”، كما يقول.

 

من يطلق الرصاص؟
وينقل الصحفي والمدون ناصف صلاح الدين عن مصدر عسكري تأكيده “مشاركة تشكيلات مختلفة من القوات النظامية في فض الاحتجاجات المناهضة لقرارات البرهان، تضم الشرطة والدعم السريع والجيش بجانب قوات تتبع لحركة تمازج المدعومة من قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو”.

 

ويشير صلاح الدين للجزيرة نت، إلى إن أفرادا من حركة تمازج كانوا على متن سيارات دفع رباعي بيضاء، وعمدوا إلى إطلاق رصاص بشكل عشوائي صبيحة قرارات البرهان، وفق ما أخبرته به مصادر عسكرية.

 

كما ذكر أن قوات من الدعم السريع اعترضت موكب المحتجين في الصالحة بأم درمان خلال احتجاجات 13 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، ويردف قائلا إن معظم القوات التي أطلقت النار خلال موكبي 13 و17 نوفمبر/تشرين الأول كانت ترتدي زي الشرطة، لكن من المستبعد أن يكونوا جميعا من الشرطة.

 

ويستند صلاح الدين في حديثه إلى إفادة حصل عليها، قال إنها وردت في محضر التحقيق مع اللواء الصادق سيد مسؤول التدريب بقوات الدعم السريع، عند التحقيق معه في أحداث فض اعتصام القيادة العامة في 2019، حيث قال إن دوره انحصر قبل يوم من المذبحة في تسليم زي الشرطة لقوات الدعم السريع بمعسكر الصالحة.

 

ويرى الفريق حقوقي إدريس سليمان إدريس رئيس هيئة الخدمات والتوجيه بقوات الشرطة -خلال مؤتمر صحفي الخميس- أن من حق الشرطة الاستعانة ببعض القوات النظامية، وأن الشرطة تطبق قانون الإجراءات الجنائية التي تتيح لها التصدي لأحداث الشغب.

 

من جهتها، باشرت هيئة محامي دارفور التقصي والتحقيق في الانتهاكات المرتكبة منذ 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وقالت في بيان الجمعة إنها ستعلن عن نتائج تحقيقاتها في غضون أسبوعين، ويشمل التقصي والتحقيق أي أحداث ذات صلة قد تقع خلال فترة التقصي والتحقيق.

مزدلفة عثمان

 الجزيرة نت

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى