جعفر عباس يكتب: شكر واجب ومستحق للفرسان

كشّر فيروس كوفيد 19 عن أنيابه الشرسة والحادة في مطلع عام 2020، وعاشت البشرية طوال ال21 شهرا الماضية حالة من الرعب والهلع، وقيض الله لنا في قطر لجنة عالية الهمة لإدارة الأزمات، فكانت النتيجة هي حالة انحسار الإصابات بالكورونا التي نشهدها حاليا، ولم تكن اللجنة تملك عصا موسى، ولكنها كانت تملك المعطيات والأرقام الدقيقة واستخدمتها لقرع نواقيس الخطر ونشر “الوعي”: كيف تحترز وما هي عواقب تجاهل الاشتراطات الضرورية لتفادي الإصابة، وكيف تكون الإصابة وما هي تعقيداتها؟ ولم يكن ذلك امرا يسيرا لا في قطر ولا غيرها حيث كانت أعداد هائلة من الناس تعيش على وهم ان الكورونا أكذوبة، وكان أشهر فرسان ذلك الوهم الرئيس الأمريكي السابق دونالد أبو جهل ترامب، ولكن لجنة إدارة الأزمات في قطر صابرت وثابرت، وعقدت مؤتمرات صحفية تنويرية أُديرت بكفاءة عالية، فكان ان صار الناس يترقبونها ليعرفوا ما لهم وما عليهم فيما يتصل بتفادي التقاط الفيروس، وتفادت اللجنة الترويع كما تفادت التبسيط، وظلت تخاطب الناس بلغة العلم والأرقام المسنودة بالرسومات الايضاحية التي تجلت فيها روعة التصميم في غير تعقيد، فسهل على الناس استيعاب محتوياتها وتداولها عبر الوسائط الجديدة.
كانت تلك اللجنة المايسترو الذي قاد جهدا حكوميا جماعيا، فقد كانت جميع الوزارات ذات الصلة بأمر نشر الوعي والارشادات ممثلة فيها، ولهذا اطمأن الناس الى ما كان أقطاب اللجنة يقولونه في مؤتمراتهم الصحفية، وما يفيدون به وسائل الإعلام التي كان لها حضور بارز ومشرف في تلك المؤتمرات، وهنا لابد من رفع القبعات والعقالات والعمائم لقناتي قطر والريان الفضائيتين فقد كانتا من فرسان الرهان في حملات التوعية بمخاطر كورونا.
وشيئا فشيئا أفلحت اللجنة في اسكات انصار نظريات المؤامرة الذين جعلوا من تطبيق واتساب “المنافق” الذي يأتي بالنبأ الذي يصيب الناس بالجهالة، فكان ان التزم الناس في قطر باشتراطات التباعد الاجتماعي وارتداء الكمامات وتعقيم الأيدي كلما استوجب الأمر ذلك، ولأن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن فقد لعبت قوات الشرطة ولخويا دورا يستحق التقدير والتصفيق في ضبط الشارع والأماكن العامة لضمان الالتزام بالضوابط والاشتراطات الصحية بالحزم في غير عنف واللين في غير ضعف، وكان معدل الإصابات بالكورونا في قطر عاليا في أوائل عام 2020 ولكن ها هي اليوم من بين دول قليلة “خضراء”، بل ان نسبة تلقيح السكان فيها من أعلى النسب على مستوى العالم، وذلك أيضا جهد لابد من إزجاء التحية الكبيرة فيه للجنة إدارة الأزمات التي رتبت لاستجلاب اللقاح وهو في أطواره الجنينية، فكانت النتيجة هي ان قطر اليوم من بين أفضل الدول سجلا في مجال التلقيح، وهنا لابد من وقفة جديدة لتحية جيش قطر الأبيض من كوادر الطب والتمريض والفحص المختبري والتصوير بكافة أشكاله، فقد صمدوا في خط الدفاع الأول لمنع وقوع فأس الكورونا على الرأس، ثم احتواء آثاره الخطرة بعد “الوقوع”، ولهذا شهدت قطر أقل عدد من الوفيات بسبب الكورونا على مستوى العالم
كان الأمر ملحمة نضالية ضد عدو خبيث وشرس يجيد التخفي والمراوغة، وها نحن اليوم نجني ثمار ذلك النضال والاستبسال الذي قادته اللجنة العليا لإدارة الأزمات، والتي ولا شك اكتسبت خبرة ذات قيمة عالية بدخولها معركة مستجدة لم تكن البشرية تعرف فيه كثيرا او قليلا عن “العدو”، ثم تشرع في رفع لواء الانتصار الجزئي والذي تمثل في تخفيف الاشتراطات المتعلقة بارتداء الكمامات والتواجد في الأماكن المزدحمة وها هي الأجراس ترن في المدارس وصغارنا وشبابنا يتقافزون فرحا ومرحا في أفنية مؤسساتهم التعليمية بعد طويل انقطاع عنها.
ولا شك في ان عامة الناس يستحقون التحية والشكر لأنه لولا تجاوبهم مع توجيهات لجنة إدارة الأزمات لما تكللت جهود اللجنة بالنجاح استشرافا لمرحلة النصر شبه النهائي في معركة الكورونا، وأقول “النصر شبه النهائي” لأنه من المستبعد ان يتم القضاء على الفيروس تماما على أي مدى، ولكننا – شكرا مجددا للجنة- بتنا نعرف مكامن الخطر وكيفية تفاديها بعد ان تشبّعنا بالمادة التثقيفية التي بذلتها اللجنة، ولهذا فإن احتمال ان ينجح الفيروس في الغدر الجماعي بنا باتت ضئيلة، وفوق هذا كله فقد بدأت في قطر سلفا حملة التطعيم بالجرعة الثالثة لبعض اللقاحات الخاصة بالكورونا بينما بلغت نسبة التلقيح في قطر على العموم 80% وهي نسبة لا توجد في معظم الدول الصناعية التي توصف بـ”الكبرى”
لكل فرسان معركة الكورونا التحية والسلام والاحترام.

 

 

 

صحيفة الشرق

Exit mobile version