حيدر المكاشفي

حيدر المكاشفي يكتب: الفساد على طريقة (شيخنا قال)

في الأنباء بحسب صحيفة (الانتباهة) الصادرة أمس، أن الناطق الرسمي باسم هيئة الدفاع عن المتنفذ في النظام المباد والنائب الأول الأسبق للرئيس المخلوع، علي عثمان محمد طه، أصدر بياناً مؤداه أن موكله طه، لم يسبق له أن فوض شخصاً أو تقدم بطلب لحيازة أو شراء قطع أراضي بولاية النيل الابيض، وأنه لم يسبق له أن تلقى أي اخطار من ولاية النيل الابيض سواء كان بطريقة مباشرة أو غير مباشرة حول حيازته قطعة أرض بها، وجاء في البيان أن علي عثمان محمد طه، علم بامتلاكه (١٥٠) فدان من الأراضي الزراعية بولاية النيل الابيض من خلال مؤتمر لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو مطلع الأسبوع الجاري الذي أقر مصادرتها..(انتهى البيان)..
لن نغالط القيادي والمتنفذ في النظام المخلوع والمحبوس على ذمة عدد من القضايا، فيما أورده على لسان محاميه عن عدم امتلاكه أي قطعة أرض بالنيل الأبيض، ولكن نفيه هذا يعيد للذاكرة تلك الممارسة الفاسدة التي تفشت خلال عهدهم، حيث تأسست طبقة من جماعتهم وأحبابهم خطيرة جداً، شعارها العملي (من جاه الملوك نلوك)، تعيش في كنف السلطان وتتمتع بقربه وقراه (قراه من القرى وهو الكرم)، بل وأحياناً حين تجد الجو مهيأ وملائماً وخالياً من الرقيب والحسيب، لا تكتفي بما تناله من القرب والقرى وإنما (تبيض وتصفر) على رأي الشاعر طرفة بن العبد الذي قيل أنه أنشد هذا الشعر حينما كان مع عمه في سفر وهو صبي، فنزلوا على ماء، فذهب طرفة بفخ له فنصبه للقنابر (نوع من الطير)، وبقي كل يومه فلم يصد شيئاً، ثم حمل فخه ورجع إلى عمه، وفي الأثناء رأى القنابر يتجمعن وينهمكن في لقط ما نثر لهن من الحب فقال: يا لك من قنبرة بمعمر.. خلا لك الجو فبيضي واصفري وانقري ما شئت أن تنقري.. قد رحل الصياد عنك فابشري ورفع الفخ فماذا تحذري.. لا بد من صيدك يوماً فاصبري.. ورجال حول المسؤول خلال العهد البائد مثل قنابر طرفة بل أكثر براعة في الالتقاط، لجهة أنهم حين يجدون مثل هذا الجو الخالي المحفز والمشجع على (الخم والهبر)، لن يشبعهم فتات الفساد الذي يجدونه منثوراً في طريقهم بل يصبحون هم السلطان نفسه بالوكالة، يوجهون باسمه ويختمون بخاتمه وينوبون عنه بكامل شخصيته الاعتبارية والسلطوية، وكثيراً ما تسمع عنهم عبارات من شاكلة (شيخنا قال) أو تقرأ لهم مكاتيب رسمية تبدأ بمدخل (وجه السيد فلان بن علان السلطان بكذا وكيت)، والحقيقة أن وظائف رجال حول الزعيم رغم ثانويتها وتواضع درجاتها الوظيفية إلا أنها من الخطورة بمكان من حيث طبيعتها المغرية بالفساد، كحال عدد من الوظائف الأخرى إن لم يتم تحصينها أولا بحسن الاختيار وثانيا بسياج من الكوابح والضوابط الرقابية أصبحوا فاسدين في أنفسهم ومفسدين لآخرين. ولكن كون أن الفساد قد وقع من رجال حول الزعيم وليس الزعيم نفسه، فإن ذلك لن يبرئه من الغفلة والتهاون بل لن يبرئ النظام بكامله، ولسبب بسيط، صحيح أن الفساد موجود في دول أنظمتها ديكتاتورية كما هو موجود في دول أنظمتها ديمقراطية، إلا أن الأنظمة غير الديمقراطية (الديكتاتورية الشمولية) تعد حاضنة صالحة وبيئة مفرخة للفساد أكثر من الأنظمة الديمقراطية، لأن الأنظمة الديمقراطية تكون في ظلها السلطات متوازية ومستقلة، وتوفر انتخابات حرة ونزيهة وتداول سلمي للسلطة وحرية تعبير وصحافة حرة وقضاء مستقل محايد عادل وكفوء، لذا تكون ممارسة الفساد عملية صعبة أو خطرة ذات نتائج غير مضمونة، علاوة على أن اختزال مفهوم النزاهة والصلاح والاستقامة لدى الانظمة الدكتاتورية والقمعية في الولاء للنظام أو الحزب بدلاً من القيم المبدئية وقيم المجتمع وعدم كفاءة ونزاهة القيادات الإدارية وكبار المسؤولين، لأن اختيارهم يتم على أساس التزكية أو الولاء للحزب أو على أساس القرابة والصداقة والمحسوبية دون مراعاة لمبدأ التقييم العلمي المبني على الكفاءة والخبرة والنزاهة..فما قولك يا شيخنا ان كان أحد حوارييك قد استغل اسمك ورسمك واستخرج هذه الأراضي على طريقة (شيخ علي قال)..

 

 

 

 

صحيفة الجريدة

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى