محمد عبد الماجد

محمد عبد الماجد يكتب: ثلاثية الضوء (الخندق وبيت العنكبوت والطاعون)

(1)

 من عبقريات الطيب صالح أنه جعل هناك علاقة بين (أسماء) أبطال رواياته وبين الأحداث فيها. الصوفية عندهم مثل هذه القناعات يربطون بين (الاسم) وصفاته الشخصية – الاسم دائماً يشبه صاحبه.

 فتحي الضو أعتقد أنه أخذ من اسمه الكثير في مسيرته الإعلامية – فكان (فتحاً) للديمقراطية التي سوف تتحقق (وإن طال السفر) – كما أنه كان (ضواً) كشف وأضاء لنا عتمة (30) عاماً من الفساد والقمع والشعارات الخدّاعة.

 أية دفقة (مقاومة) تكونت أو تحركت في العهد البائد.. أزعم أن لفتحي الضو نصيباً فيها. فقد كان الضو نموذجاً للنضال الفكري القائم على الحجة والدلائل بفتح قلمه القوي وكلماته المضيئة.

 نحن قرأنا لفتحي الضو في وقت كان النظام البائد فيه يحبس (الأنفاس) – يحسبها ويعدها ويدعي سيطرته عليها.

 كلماته كانت بمثابة النور الذي يهتدى به.. عندما كان النظام يعبر بمليشياته وكانت لغتهم هي لغة الرصاص والإبادة والقمع – كان سلاح فتحي الضو هي (الكلمة) – لم ينزلق بها ولم يهاتر – ارتقى بميزان (النضال) حتى جعله (أدباً) رفيعاً وسلسالاً جزيلاً – تقرأ له في السياسة مثلما تقرأ للطيب صالح ونجيب محفوظ وغابرييل غارسيا ماركيز في الأدب.

 بل تقرأ له وكأنك تسمع في إبراهيم عوض وعثمان حسين ووردي وصلاح بن البادية.

 ما أجمل أن يكون النضال بهذه العفة والطهر والأدب – يربط فتحي الضو هذا بواقع يجسده وحياة يعيشها.

 صدمت من الكثيرين بسبب الفروقات بين ما يكتبون وما يعيشونه في واقعهم اليومي – فتحي الضو مثل محجوب شريف يعيش كلماته واقعاً ملموساً.

 قابلت فتحي الضو بعد عودته الأخيرة من الولايات المتحدة الأمريكية – كنت أظن أن (النضال) جعل بينه وبين الآخرين حجاباً – مثل كل المناضلين الذين يعيشون أحياناً كثيرة في (عزلة) خاصة بهم… وجدت فتحي الضو يزداد تواضعاً – شعرت بلطفه وشاعريته الجميلة حتى وهو يحسب له سهمه العظيم في اسقاط نظام الإنقاذ.

 لن تصدقوا إن قلت لكم إن الرجل بعد كل هذا الصمود والقوة والثبات والانتصار على المبدأ – عبارة عن كتلة من (الشفافية) و(الحواس) ، بقعة من (الضوء) وكتلة من (الديمقراطية).

(2)

 توقفت عند الحوار الذي أجري مع فتحي الضو في موقع (العين الإخبارية) .. كما سعدت بالظهور الأول لفتحي الضو في إذاعة (هلا أف أم 96) في البرنامج الذي أعتبره من الفتوحات الإعلامية (سودان جديد)… فقد خص الضو (هلا) بأول حواراته الإعلامية في السودان بعد سقوط الإنقاذ وهذه شهادة تحسب لهلا.

 فتحي الضو كان مرتباً وقوياً في إجاباته وردوده وليس ذلك بأمر غريب على إعلامي اهتم بالتوثيق وكان أميناً في ذلك وقدم ثلاثة كتب ضخمة كلها دارت حول (جهاز الأمن والمخابرات) في العهد البائد – الذي كشف أسراره وعرى حقيقته في وقت كان فيه الجهاز منطقة محظورة (ممنوع الاقتراب والتصوير) – بل كان يمنع حتى (المرور) أو التحدث عنه في (السر) – فما بالك بمن تحدث عنه في (العلن) و (الضوء) وقدم معلومات كان مصدره رئيس الجهاز نفسه صلاح قوش – الرجل الذي كان يتعامل معه رؤساء التحرير في العهد البائد على أنه رجل المخابرات الأول في أفريقيا – كانوا يطلقون عليه (الرجل الغامض) وهم لا يمتلكون للحديث عنه غير أن يحدثونا عن الكيفية التي ينفخ بها دخان (سجارته) والطريقة التي يشرب بها (قهوته). لم تتجاوز جرأتهم حدود (النظارة السوداء) التي كان ينظر بها قوش وينظرون من خلالها.

 قوش وصفه فتحي الضو بأنه رجل ساذج وهو “نمر من ورق” وليس بحجم الهيبة التي حاول أن يصبغها حوله الإعلام، مضيفاً “لقد احتقرته لأنه وقع في أخطاء أدت لوصول معلومات خطيرة لي.

 من هذه (السذاجة) ربما فتح قوش المسار للمتظاهرين نحو محيط القيادة العامة وليس كما يدعي محمد وداعة شريكاً في الثورة والنضال.

(3)

 قدم فتحي ثلاثية الضوء (الخندق، بيت العنكبوت، الطاعون) التي غاصت في أسرار جهاز الأمن وكشفت حقيقته بالمستندات والوقائع التي وصل فيها الضو لكلمة السر (باسوورد) الخاص بالجهاز وهو عند مدير الجهاز وموظف الكمبيوتر.

 تخيلوا أن نظام كان يتحدث عن (فلترق كل الدماء) و(أمريكا روسيا قد دنا عذابها) و(هي لله وهي لله) يتم الوصول إلى (باسبوورد) الجهاز الذي توجد فيه كل معلومات الدولة وتحركاتها.

 جهاز خصصت له 70% من ميزانية الدولة يضرب بهذه الطريقة التي يصبح فيها رئيس الجهاز نفسه (مصدر).

 انتهى الضو من مرحلة مصدر قريب ومصدر ذو صلة ومصدر مسؤول وكان مصدره مدير جهاز المخابرات نفسه الذي يحرس أسرار البلاد ويحفظها.

 أين اسحاق أحمد فضل الله الذي اكتفى بالغزالة التي تقف في قبر الشهيد؟

 الكتاب الأول (الخندق) كان مهتماً بالأمن الرسمي، و(بيت العنكبوت) اختص بالأمن الشعبي و(الطاعون) كان متعلق بالأمن الرسمي بعدما حدثت فيه تحولات.

 قال الضو في حوار العين الاخبارية : معلومات “بيت العنكبوت” كانت ترعبني بنفس التعبير، وكنت على يقين أن هذه المعلومات سوف تهز الحركة الإسلامية في جهازها الرسمي، فهو الجهاز المخفي الحاكم، فكونك تكشف مديره وهو عماد الدين حسين وتكشف 13 دائرة (مكتب) في العاصمة الخرطوم يديرها أشخاص بزي مدني ولديهم مهن مختلفة معلمين، مهندسين، ذكرها المصدر بمسمياتها.

 في كتاب الطاعون تم الكشف عن 700 ضابط بالأسماء والرتب كانوا يتحركون بين الناس ويدعون الصلاح والفلاح.

(4)

 من الناحية النقدية لا بد من وقوف عند الأسماء التي اختارها فتحي الضو لثلاثية الضوء (الخندق – بيت العنكبوت – الطاعون) هذه الأسماء أسماء مثيرة وقوية … توضح القدرة الإبداعية لدى فتحي الضو وهو يتخذ عناوين لها دلالات (أمنية) وفيها عمق كبير… كأنه جاء بهذه العناوين من عصر سحيق.

 أي كتاب من هذه الكتب يكفل لفتحي الضو أن ينال جائزة عالمية، ولو كان لنوبل جائرة للعمل الاستقصائي لأخذها فتحي الضو من غير منافسة.

 يجب أن يشرف هذا (القلم) بجائزة عالمية تكريماً لثورة ديسمبر المجيدة لا تكريماً له.. لا يعقل أن يكون أحد خدام الثورة وأبرز الذين تسببوا في اسقاط النظام البائد من غير جائزة عالمية تثبت عظمة هذه الثورة.

 للتوثيق لهذه الثورة لا بد من أن يتم ترشيح فتحي الضو لنيل جائزة عالمية وهو من دون شك سوف يفوز بأية جائزة يرشح لها ..يفترض أن تتحرك الدولة كلها في هذا الاتجاه… رشحوا الجوائز لفتحي الضو ليختار منها ما يشاء فهي شرف لها ذلك.

 لا أحسب أن هناك صحفياً في العالم قدم في مجال التوثيق والاستقصاء الأمني والدخول لـ(عش الدبابير) كما فعل فتحي الضو ونجح في ذلك حتى اسقط النظام.

 الجوائز يجب أن تتشرف بذلك وأن تسعى لفتحي الضو.. فهي في حاجة إلى قلم مثل قلم فتحي الضو لترفع به قدر المهنية والشجاعة والثبات والمبدأ ولتؤكد قدرة الإعلام.

 سوف تفقد الجوائز الكثير إن لم يفز بها فتحي الضو.

 فتحي الضو قال إنه يعمل على إعداد كتاب باسم “الطوطم” وقد أكمل 70% منه، وهو لا يختص بالأجهزة الأمنية، بقدر ما يركز على موبقات الحركة الإسلامية التي لم تنشر.

 والاسم وحده يكفي لزلزلة دعاة المصالحة.

(5)

 بغم /

 لم يتبق لي غير أن أغادر وأعتذر للسكرتارية والمكتب الفني بالصحيفة عن عدم التزامي بالمساحة وعدد الكلمات.

 

 

 

صحيفة الانتباهة

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى