جعفر عباس يكتب: قنابل الدموع لحسم العلاقة الزوجية

سردت في مقالي هنا الأسبوع الفائت حكاية السيدة السودانية التي اكتشفت أن زوجها خطط للمذاكرة الرسمية من وراء ظهرها، أي الزواج بأخرى بعد أن أوهمها بأنه سيغادر المدينة في مهمة رسمية، ولكن الشمار بلغها (الشمار هو البهار المسمى الكمون الأخضر، ويطلق في السودان على تداول وتبادل سير وحكايات الآخرين بما يشبه النميمة، ويقال أن سيدة سودانية كانت تطبخ الطعام واكتشفت أن الشمار في بيتها معدوم فأرسلت ولدها الصغير إلى بيت الجيران ليأتي ببعضه، فذهب الولد إلى الجارة وقال لها: ماما تقول لك أعطيها شوية شمار، فقالت الجارة: روح قول لأمك زوج نفيسة ناوي يطلقها)، المهم أن تلك السيدة عرفت توقيت حفل الزيجة السرية وموقعها. وفي التاريخ المحدد ذهبت إلى الحفل ووجدت البعل يجلس قرب العروس الجديدة، وألقت على الحضور قنبلة مسيلة للدموع، فتفركش الحفل ولم تتفركش الزيجة الجديدة بل كسبت هي لقب “عزباء” لأنها تطلقت.
وقبل حين من الزمان شهد مستشفى الدمرداش في وسط القاهرة حادثاً إرهابياً لم تلتفت إليه معظم وسائل الإعلام، لانشغالها بالأخبار السياسية من انتخابات وغيرها؛ وتستطيع أن تلصق بالمصري ما تشاء من نعوت وصفات، ولكنك لن تكون منصفاً لو وصفته بال”عنف”. حتى الجماعات الإسلامية الجهادية في مصر أصدرت مراجعات صادقة اعتذرت فيها عن أعمال عنف دموية ارتكبتها في عقد التسعينيات، بل وحتى عن اغتيال الرئيس الأسبق أنور السادات.
المهم أن العاملين في وحدة أمراض القلب في مستشفى الدمرداش فوجئوا برجل يدخل عليهم ويجول بعينيه في الوحدة، فحسبوه يبحث عن مريض أو طبيب أو عضو في فريق التمريض، وفجأة أخرج الرجل علبة كبيرة من كيس وألقى بها في اتجاه موظفة في الوحدة فتعالى الصراخ والعويل والسعال. كانت قنبلة للغاز المسيل للدموع، وأصيب مرضى قلب كثيرون باختناقات شديدة استوجبت نقلهم إلى مركز السموم لإنعاشهم، بينما ظل العشرات من المرضى والأطباء والزوار والممرضين والممرضات يكحون ويحكون أعينهم لاستنشاقهم الغاز.
والقنابل المسيلة للدموع قد تشل حركتك وأنت في مظاهرة في ميدان مفتوح، فكيف يكون حالك إذا أُلقيت عليك وأنت في غرفة مستشفى مغلقة النوافذ. ومنذ المرحلة الثانوية شاركت في عشرات المظاهرات ضد مختلف الحكومات في الخرطوم، وبكل صدق أقول إنني لا أخاف من الاعتقال والحبس في السجن أو مركز الشرطة، ولكنني وبمجرد رؤية شرطي يوجه قنبلة غاز في اتجاهي أتحول إلى دراجة نارية.. ولو أمهلني الشرطي لتوجهت نحوه وأنا أصيح: “تعيش الحكومة واللي خلفوها، بس الله يخليك بلاش القنبلة..”، فتأثيرها يظل يلسع جلدك وعينيك وخياشيمك لساعات، ولكن أسوأ لحظات التعرض لها هو أن تستنشق الدفعة الأولى من الغازات المنطلقة منها.
بعد التحريات اتضح أن الرجل يعمل في جامعة عين شمس، وأنه طلق زوجته التي تعمل في مستشفى الدمرداش، وخلال الهوجة التي صاحبت ثورة يناير وما تعرضت له بعض مراكز الشرطة من اعتداءات حصل صاحبنا على قنبلة مسيلة للدموع واحتفظ بها لـ”ساعة عوزة”، فقرر تأديب طليقته وألقى بالقنبلة عليها، ثم تعرض جراء ذلك للجرجرة في المحاكم، حيث واجه حزمة من التهم أخطرها أن فعلته تلك كانت تماثل الشروع في القتل، لأن خنق مرضى القلب بالغاز كان من الممكن أن يتسبب في موت أحدهم أو بعضهم.
السؤال الذي يحيرني: ما الفائدة التي كان الرجل يرجوها من إلقاء قنبلة غاز على زوجته سابقا (أنسوا موضوع المستشفى) سواء كان الطلاق برغبة منها أو منه؟ يعني أفهم أن يرمي رجل قنبلة ذرية على طليقته ليقتلها، أو قنبلة متفجرة لإيذائها جسديا، (ويكون ذلك في لحظات ذهاب العقل)، ولكن ماذا يرجو شخص من جعل من طليقته تعطس وتكح وعيونها تدمع لحين من الوقت؟!
دعوني أختم المقال بحكاية تسد النفس: هاجرت أميمة التي كانت تعمل عارضة أزياء في مصر إلى الولايات المتحدة عام 1986، وتزوجت وعمرها عشرون سنة بالأمريكي وليام نلسون، وبعد شهر من الزواج قتلته، ثم تعمدت إحراق وجهه ويديه، كي لا يتم التعرف على القتيل بملامح الوجه أو البصمات (شوف الذكاء) عند العثور على الجثة، ثم وبكل غباء ووضعت بقايا الجثة في أكياس ولجأت إلى بعض معارفها حاملة الأكياس: “اللي يخلصني من الكيس الواحد هياخد 75 ألف دولار”! ونالت حكما بالسجن المؤبد، ولكن في مستشفى للأمراض العقلية بعد أن اتضح أنها تعاني من نوع خطير من الفصام.

 

 

 

صحيفة الشرق

Exit mobile version