عبداللطيف البوني يكتب: ماضون في عيد ماض

كنا شلة صبية أشقياء في المرحلة الثانوية نلتقي في مصلى العيد بالقرية، وبعد الصلاة مباشرة ننتحي جانبا للونسة والتعليقات الجانبية أثناء الخطب التي تعقب خطبة الإمام، فالعيد أصبح المناسبة الوحيدة التي يجتمع فيها كل أهل القرية لذلك أصبح مؤتمرا شعبيا لمناقشة اهم قضايا القرية . استمرت شلتنا على هذا المنوال لعقود من الزمان تجاوزنا عهد الصبا والشباب وكلنا الآن كهول بدرجات متفاوتة في الكهولة ولكن مناسبة العيد ظلت هي المناسبة الوحيدة هي التي نتصابى فيها ونتشاقى فيها متناسين العالم من حولنا .
في العيد الأخير التقينا كالعادة ولكن افتقدنا أكثرنا مرحا وتنكيتا فقد ذهب الى رحاب مولاه بين هذا العيد والذي قبله، وهناك ثاني طريح الفراش جراء مرض عضال قد يصعب الشفاء منه ولا يأس من رحمة الله . ثالث قد فقد زوجته بين العيدين، أما بقية البضع من الشلة فكلهم في جيوبهم حبوب ضغط او سكري او الاثنين معا ومع ذلك حاولنا تمضية اللحظات المعتادة ونحن نغالب أحزاننا وراضين بقضاء الله وقدره ومستسلمين للظروف ومنتظرين الدور على قول أحدنا.
ونحن في غمرة محاولتنا لتطبيع جلستنا وردت ملاحظة من أحدنا ابتدرها بقوله (ياجماعة شوفوا حولنا نحن أصبحنا اكبر الجالسين في حرم مصلى العيد شوفوا قدامكم وشوفوا وراكم ماشاء كلهم شباب نحن وحدنا الراسنا شائب حتى الإمام خطيب العيد أصغر مننا بكثير)، اردف آخر (ياجماعة لما كنا شباب أكان في شيوخ وكهول طيب نحن عارفين الشيوخ آباءنا نحن ناس حاج فلان وشيخ فلان كلهم رحلوا أمال فين الجماعة الكهول الكانوا بينا وبين آبائنا ؟ ما معقولة يختفوا فجأة ونبقى نحن في الواجهة لازم في حاجة غلط ولا نكون نحن ما حاسبنها صاح) رد عليه حكيمنا (عليك نور نحن ما كنا حاسبنها صاح أصلوا في جيلين جيل آباء وجيل ابناء وما بينهما منقسم بين الجيلين فرحل جيل الآباء فأصبح جيل الابناء هو جيل الآباء الجدد والذين حولكم ذي ما انتو شايفين ديل الابناء فبطلوا جرسة وطبعوا أنفسكم مع سنن الحياة).
كانت كلمة حكيمنا أعلاه هي البلسم الذي أعاد لجلستنا دفئها وحميميتها القديمة فأمضينا لحظاتنا وأدركنا ان لكل عمر من أعمارنا ما يضفي عليه عذوبته ورقته وحلاوته بشرط ان لا نحاول معاندة أعمارنا بمحاولة إيقافها عند سقف محدد او استلاف أجندة من زمن مضى لزمن حاضر ثم افترقنا بعد ان عيدنا على بعض وعلى الآخرين من حولنا وفي خاطر كل منا عدة أسئلة على شاكلة من الذي سيرحل ومن الذي سيبقى بين هذا العيد والعيد القادم؟ ومن الذي سوف يأتي للعيد القادم ومعه كرسي للصلاة؟ ومن الذي سوف يتخلف في البيت لعجز في قواه في العيد القادم؟ ومن….؟ ومن…؟
وكل عام والجميع بخير.

 

 

 

صحيفة السوداني

Exit mobile version