تحقيقات وتقارير

المصالحة مع الإسلاميين .. هل تغير أعداء الثورة؟

وجدت الدعوة التي أطلقها حاكم اقليم دارفور مني اركو مناوي حول المصالحة مع الإسلاميين ردود فعل واسعة في السوشيال ميديا، بعضهم انتقد مناوي كون الإسلاميين وجناحهم السياسي حزب المؤتمر الوطني المحلول كانوا سببا في الخراب الذي لحق بدارفور وما تزال تعاني منه حتى الآن ناهيك عن السودان ككل.. لكن آخرين اشاروا إلى أن الإسلاميين الذين يؤمنون حقا بالفكرة لم تتلطخ ايديهم بدماء الأبرياء الذين ماتوا حرقاً بالإقليم، لذلك لا بد من المصالحة معهم، بل ويمكن الاستفادة من نقاء فكرهم في دعم المرحلة الانتقالية.. بين هذا وذاك، فسر كثيرون دعوة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك للمصالحة الشاملة على أن المقصود بها الإسلاميون.. فهل تغيرت الرؤى في تصنيف الإسلاميين كعدو للثورة؟ .

 

دعوات المصالحة
مناوي ليس الوحيد الذي دعا إلى المصالحة مع الإسلاميين، فسبق أن دعا اليها المفكر والسياسي النور حمد إذ يرى أنه لا بد من مصالحة مع الإسلاميين، كون الوثيقة الدستورية حظرت فقط نشاط المؤتمر الوطني وعدم ممارسه أي عمل سياسي خلال الفترة الانتقالية، وقال (لكن الآن المؤتمر الوطني يمارس عملاً تخريبياً، حسب ما تم ضبطه من ادلة مؤخراً من قبل السلطات).

 

وفي خطبة عيد الأضحى قال والي ولاية شرق دارفور محمد عيسى إنه أبلغ حمدوك بضرورة أن تستوعب مبادرته التي طرحها الإسلاميين في البلاد، وقال إن هناك أفرادا مخلصين بحزب المؤتمر الوطني المحلول كان لهم دور بارز في التغيير يجب أن يكونوا جزءا من هذه المبادرة .

 

ودعا كذلك بعض شيوخ الطرق الصوفية إلى المصالحة بين الحكومة والإسلاميين، واطلق بعضهم مبادرات مثل الشيخ محمد حاج حمد الجعلي، شيخ الطريقة القادرية بكدباس بولاية نهر النيل. وأشار الجعلي، إلى أن المبادرة تأتي في إطار إحداث تعاون جديد وتفاهمات مشتركة، ما بين كل ابناء السودان وتجاوز حالة الانسداد الكامل في شرايين الحوار الوطني، ما بين الحكومة والحركات الإسلامية، وأضاف، إن من أبرز دوافع المبادرة، العمل على تمهيد الطريق نحو إنزال اتفاقيات السلام إلى أرض الواقع، توحيد الجبهة الوطنية، حتى تدعم الجيش السوداني في الحرب أو السلم، البعد عن استفزاز الحركات الإسلامية ومس ثوابت عقائدها تجنبا للفتنة وإشعال نار التطرف الأعمى .

 

ودعت المبادرة الأحزاب الدينية إلى الظهور للسطح عبر الحوار الوطني وممارسة نشاطها العلني
وقال الشيخ محمد:”معاناة المواطن والانهيار الاقتصادي وحالة الانقسام المجتمعي، تستوجب مصالحة وطنية شاملة بين أبناء الوطن، تقوم على العدالة التي يأخذ فيها كل مجرم عقابه، دون أن يأخذ أحد بجريرة غيره”.

 

وشددت المبادرة على محاسبة كل من ثبت ارتكابه جريمة في حق الوطن أو المواطن أو مارس الفساد أو الاستبداد أو نهب المال العام بالقانون الجنائي السوداني، ممتدحة في هذا الصدد نزاهة القضاء السوداني .

 

ووجهت المبادرة بضرورة تقديم قيادات النظام السابق، وكل المسئولين لمحاكمات عادلة، تتوفر فيها كل الحقوق والواجبات .

 

وطالبت المبادرة، الحكومة الانتقالية، دعوة الأحزاب والقوى السياسية لترتيب أوراقها لخوض الانتخابات القادمة، للوصول للإصلاح السياسي الشامل، عبر صناديق الاقتراع، وصولاً للديمقراطية والسلام والتنمية والاستقرار والإعمار .

 

لا مصالحة
عندما اطلق رئيس الوزراء عبد الله حمدوك مبادرته الشهر الماضي لمعالجة ازمات السودان وإنجاح التحول الديمقراطي وضرورة التوصل إلى تسوية سياسية شاملة، وجدت دعوته اهتماما من القوى السياسية والمراقبين، ولم يرد في ألسنتهم اي حديث عن المصالحة مع الإسلاميين، لكن قبل عيد الأضحى صرح سياسيون بضرورة المصالحة مع الإسلاميين، ليقفز سؤال عما إذا كان حمدوك يقصد أن تشمل مبادرته للمصالحة الإسلاميين وإن لم يقلها صراحة ؟

 

 

عضو مركزية الحرية والتغيير امينة محمود اكدت لـ(السوداني) أنه لا يمكن أن تتم المصالحة مع الإسلاميين، واضافت “الإسلاميون اخذوا فرصتهم في الحكم ومارسوا الفصل والتعذيب والامر يحتاج إلى عدالة انتقالية ومحاسبة وتسليم مجرمين ومعالجة الفساد وارجاع ما تمت سرقته” .
وقالت محمود “لم يتم تقديم اي مبادرة للمصالحة مع الإسلاميين، وبيننا وبين الإسلاميين ارجاع المال الذي سرقوه ومحاسبتهم على كل صغيرة وكبيرة .

 

 

لكن النور حمد قال “أعتقد أن رئيس الوزراء يرى أن اللحظة السايكولوجية للمصالحة معهم لم تأت بعد، وأعتقد أن د. حمدوك مبرمج أمر مبادرته لتظهر على مراحل”. وأوضح حمد أن طرح المصالحة مع الإسلاميين ليس خطأ، بل طرح صحيح بقوله: “من الضروري تفكيك فاعلية القنابل الموقوتة التي يمكن أن تنفجر في أي لحظة، لكن على الإسلاميين أولاً أن يعملوا على ذلك، والدور هنا ليس لحمدوك، إنما الإسلاميين أنفسهم، ويجب أن يكونوا صريحين وليس ورقة مكشوفة وأخرى مكفية”.

 

لقاء حمدوك
الأمين العام المكلف لحزب المؤتمر الشعبي بشير آدم رحمة يذهب في حديثه لـ(السوداني) إلى أن المصالحة جاءت على لسان من يمثلون الحكومة الحالية ويريدون المصالحة، لأن حكومتهم حكومة يسار اقلية وحكومة اقصائية .

 

وقال “المصالحة ليست مع التيار الإسلامي، وهي مصالحة مع التيار الإسلامي الوطني القومي، اي المجتمع السوداني ويشمل الصوفية وحاملي السلاح الذي لم ينضووا تحت مظلة السلام، ومن قدموا مبادرات لادارة الفترة الانتقالية بنهج قومي متصالح مع المجتمع السوداني ومنهم شيخ محمد كدباس والشيخ الياقوت والشيخ الجد، والشيخ الكباشي، والقوى السياسية مجموعة السيسي ومبادرة المؤتمر الشعبي، مشيرا إلى أن المبادرات هدفها اصلاح الوضع الحالي الذي لا يمكن أن يمضي بالسودان بمنهج غريب على المجتمع السوداني .

 

رحمة اشار إلى أن حزبه طلب لقاء مع رئيس الوزراء لمناقشته في مبادرته وايضا لتسليمه مبادرة المؤتمر الشعبي، وقال (طلبنا كذلك لقاء البرهان وحميدتي لأن الثلاثي هو الذي يسير الأمر في السودان، “لذلك نحن بنمشي على الناس الماسكين القلم” ) واضاف: نحن نريد مساعدتهم ولا نريد الدخول في حكم في الفترة الانتقالية، ونطلب أن تتنزل شعارات الثورة إلى ارض الواقع وهذا لا يتم الا بمصالحة مع الشعب السوداني عامة، وليس فئة معينة.

 

وتابع (اذا قابلونا اهلا وسهلا واذا لم نقابله نكون اعذرنا إلى الله سبحانه وتعالى) وهذا لا يعني اننا سنذهب إلى بيوتنا، ولكن سنعمل عملا قاعديا لإصلاح الفترة الانتقالية بالضغط على من يمسكون زمام الأمر لإصلاح الوضع بالبلاد وصولا إلى انتخابات حرة ونزيهة.
الاتصال شائعة

 

 

اعتبر نائب رئيس حركة الإصلاح الآن حسن عثمان رزق، في تصريح ل(السوداني) أن الحديث عن اتصال رئيس الوزراء عبد الله حمدوك برئيس الحركة غازي صلاح الدين حول المصالحة مع الإسلاميين شائعة، وقال (لا مانع من المصالحة لكن على اهداف وليس بهدف الإلحاق أو الاستيعاب والمحاصصة). واضاف أن حمدوك لم يجر اتصالا بغازي أو يرسل خطابا له بهذا الخصوص).

 

وقال رزق، يمكن أن نوافق على المصالحة وفق اسس ومبادئ متفق عليها، ولايمكن اجبارنا على مصالحة لا مضمون لها، مشيرا إلى ضرورة أن تقوم المصالحة على الحرية الكاملة لكل الناس، باستثناء الذين تعدوا على القانون، ويجب تحقيق العدالة بضمان استقلال القضاء وإبعاده من السياسة وتكوين المحكمة الدستورية، لافتا إلى اهمية وجود سلام حقيقي يتساوى فيه جميع اهل السودان.

 

وقال “يجب أن تُبنى المصالحة على اهداف من بينها أن يكون دستور 2005م هو الحاكم للسودان في الفترة الانتقالية بدلا عن الوثيقة الدستورية غير المتفق عليها التي تم اختراقها عدة مرات، ومن ثم الشروع في دستور دائم، وتحديد موعد الانتخابات، وضرورة الخروج من سياسة المحاور وبناء سياسة خارجية تقوم على الندية والمصالح المشتركة، واهمية ترك القضايا الخلافية لبرلمان منتخب ليحكم فيها، مشيرا إلى أن مبادرة الشيخ الجعلي مهمة ويمكن البناء عليها.
وقال رزق “لا يمكن اقصاء الإسلاميين عن المشهد السياسي، والمصالحة معهم واجب”، مشيرا إلى انه تاريخيا عندما يتم الضغط على الإسلاميين في اي دولة يزداد انتشارهم داخليًا وفي مهاجرهم الخارجية، فضلًا عن أن مضايقتهم تتنافى مع قيم الحرية التي كفلتها لهم جميع القوانين الدولية.

 

الحزب الفاشي
نائب رئيس الحركة الشعبية شمال جناح عقار ياسر عرمان يرى انه بعد أن فشل الفلول في القفز إلى السلطة في 30 يونيو الماضي، فإن قواعد لعبتهم الجديدة تتمثل في عدة نقاط من بينها المصالحة، وقال المصالحة هي كلمة باطل أريد بها باطل لإعادة إنتاج حزب المؤتمر الوطني الفاشي، ولا يمكن أن نطالب بذهاب قادته للاهاي والتعامل مع المحكمة الجنائية في جرائم الإبادة والحرب ونطالب بالمصالحة معه، واضاف: المؤتمر الوطني لا يمثل التيار الإسلامي العريض، وهو صاحب الدولة الموازية التي ولغت في دماء الدكتور علي فضل مثلما فعلت ذلك بالأستاذ أحمد خير، فهي لا تفرق بين أحد من الوطنيين. وتابع: نحن ندعو لمحاكمة قادته وفق القانون لا اطلاق سراحهم وتمكينهم من التمهيد لثلاثين يونيو جديدة، ولا بد من بناء مؤسسات مهنية لكافة السودانيين.

 

إزالة لجنة إزالة التمكين، اللجنة تحتاج إلى تطوير وإصلاح وتقويم منهجي، وتحتاج إلى مجلس تشريعي يسندها لاستبدال ترسانة القوانين المسلحة لحزب المؤتمر الوطني، إزالة لجنة إزالة التمكين تعني ترك المؤتمر الوطني حاكما من وراء حجاب، وترك الدولة الموازية. هذا جوهريا ما سيحدث .

 

لكن عرمان نفسه سبق أن قال في تصريحات اعلامية انه لا أحد يستطيع اجتثاث الإسلاميين، فيما دعاهم إلى مراجعة برنامجهم ومشروعهم القديم. وأضاف “الإسلاميون كفكرة، لن يستطيع أحد أن يجتثهم من المجتمع، ويجب أن يراجعوا برنامجهم ومشروعهم القديم، إلى مشروع جديد، وهذا نرحب به، وهو مشروع قائم على المواطنة والديمقراطية، وعلى المحاسبة والشفافية”، وقال “هناك فئات من الإسلاميين دعمت الثورة، وشخصيات منهم استشهدت مثل الأستاذ أحمد الخير، فنحن لا نريد أن نضع الإسلاميين في سلة واحدة، ونتعامل معهم ككتلة صماء.

صحيفة السوداني

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى