تحقيقات وتقارير

(10) سنوات على الانفصال.. ماذا أنجزت دولة جنوب السودان سياسيا واقتصاديا؟

مضت 10 سنوات على رفع علم دولة جنوب السودان إثر تقرير المصير الذي حصل عليه مواطنوها، وانتهت به أطول حرب أهلية في القارة الأفريقية امتدت 22 عاما، وراح ضحيتها مليونا شخص وشرد 4 ملايين من منازلهم.

وفي التاسع من يوليو2011 خرجت إلى العلن أحدث دولة في العالم، وهي جمهورية جنوب السودان، لكن لم يمض وقت طويل حتى توترت العلاقة بين السودان ودولة الجنوب التي انفصلت عنه بسبب جملة قضايا علقت بين البلدين.

 

وعُرفت هذه بخلافات ترسيم الحدود بين الدولتين الوليدة والأم جراء عدم حسم تبعية 5 نقاط حدودية، إضافة إلى منطقة “أبيي” الغنية بالنفط، والتي حُدد استفتاء سكانها بالتزامن مع استفتاء تقرير مصير جنوب السودان، ليقرروا إلى أي من الدولتين يريدون أن يتبعوا، بيد أن خلافا بين الخرطوم وجوبا حول من يحق له التصويت علّق مصيرها حتى الآن ووضعها تحت إدارة بعثة دولية أممية لحفظ السلام.

وتعود الخلافات أيضا لعوامل اقتصادية مرتبطة بالرسوم التي يجب أن تدفعها جوبا للخرطوم مقابل استخدام المنشآت النفطية على أرض السودان لتصدير نفط الجنوب عبر ميناء سوداني في البحر الأحمر.

 

وبعد عام على قيام الدولة الجديدة وصل الأمر حد القتال المسلح بينها وبين جارتها الشمالية حول حقل هجليج النفطي، مما دفع الاتحاد الأفريقي للوساطة عبر “الآلية الأفريقية رفيعة المستوى”، والتي تزعمها رئيس دولة جنوب أفريقيا الأسبق ثابو مبيكي، والتي نجحت في التوصل إلى اتفاق أنهى التوتر ووقّع بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا.

 

إلى الحرب الأهلية

 

وعلى إثر التعديل الوزاري الذي أجراه رئيس دولة جنوب السودان سلفاكير ميارديت في يوليو 2013 وعزل بموجبه نائبه الأول رياك مشار تصاعد التوتر بين الرجلين، خاصة بعد أن تحدثت تقارير إعلامية عن اعتزام مشار الترشح لرئاسة حزب الحركة الشعبية تمهيدا لخوض الانتخابات الرئاسية عام 2015.

واتهم سلفاكير نائبه بالتخطيط لانقلاب عبر قيادة تمرد وسط وحدات الجيش الشعبي (جيش حكومة الجنوب)، مما حوّل الخلاف إلى نزاع مسلح أخذ طابع الحرب الأهلية بين قبيلتي الدينكا والنوير اللتين ينتمي لهما سلفاكير ومشار.

وتحت التهديد بعقوبات اقتصادية وتدخّل بابا الفاتيكان، وبعد عامين من القتال وقّع الطرفان في أغسطس 2015 اتفاق سلام يقضي بأن يعود تكوين السلطة إلى ما قبل عزل مشار، وعلى إثره عاد الرجل إلى جوبا في أبريل 2016 وعين نائبا للرئيس.

لكن اتفاق السلام لم يصمد طويلا، وعاد القتال بينهما في يوليو 2016، وتسببت هذه الحرب في مقتل 400 ألف شخص، وتشريد 3 ملايين من منازلهم، وفق الأمم المتحدة.

واستمرت الحرب مشتعلة حتى عاد الرجلان ليتصافحا مرة أخرى، ووقعا اتفاق سلام ظل تنفيذه معلقا حتى فبراير 2020 عندما أصدر سلفاكير قرارا بتعيين مشار نائبا أول، إضافة إلى 4 نواب للرئيس.

وفي الأسبوع الأول من يوليو الحالي عيّن سلفاكير البرلمان الجديد وسمى أحد مناصريه رئيسا له، وجاء نائبه من أعضاء حركة مشار، وكان الطرفان قد اتفقا في مارس 2020 على التشكيل المشترك للحكومة، وفي يناير 2021 أكملا تعيين حكام الولايات العشر ليتم ملف تقاسم السلطة.

ملفات عالقة

لكن ملفا رئيسيا في الاتفاق ظل عالقا وهو المرتبط بالترتيبات الأمنية التي تقضي بدمج مقاتلي المعارضة في الجيش الحكومي وإعادة انتشار الأخير في المناطق التي كانت تسيطر عليها قوات المعارضة، وهذا ما لم يحدث حتى الآن، مما يثير مخاوف من تجدد الصراع.

هذا إلى جانب “ملف العدالة” الذي اتفق الطرفان بموجبه على تقديم المتهمين بارتكاب انتهاكات أثناء الحرب إلى المحاكمة، خاصة بعد توثيق الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية جرائم قتل واغتصاب، إضافة إلى التوافق على دفع تعويضات للمدنيين المتضررين من الحرب، وإعادة النازحين واللاجئين إلى قراهم التي كانوا يعيشون فيها قبل اندلاع النزاع.

وبحسب الأمم المتحدة، فإن أكثر من 80% من الضحايا المدنيين في العام الجاري 2021 سقطوا بسبب أعمال العنف القبلية، كما استهدفت مخازن المساعدات والعاملين في وكالات إنسانية والذين قتل 7 منهم هذه السنة.

وقال مجلس كنائس جنوب السودان في بيان “ليس هناك الكثير للاحتفال به، إنها فترة وتجربة صعبة بالنسبة لنا، ويبدو أن هناك غيابا للإرادة السياسية لتطبيق اتفاق السلام”.
الاقتصاد والحرب

خرجت دولة جنوب السودان إلى الحياة وهي تعتمد على النفط الذي يمثل 95% من عائدات اقتصادها، بعد أن استثمرت سابقتها -بمعاونة شركات صينية- حوالي 12 مليار دولار في هذا القطاع، ووصل إنتاج البلاد إلى 470 ألف برميل سنويا.

لكن بسبب القتال الذي دار في مناطق النفط فقد توقف الإنتاج في أكثر من 90% من الآبار، وتسبب هذا في ارتفاع معدلات التضخم وتراجع قيمة العملة المحلية، حيث بلغ معدل التضخم في عام 2016 وفقا للبنك الدولي 400%، وتراجع عام 2020 إلى 50% بعد عودة آبار النفط للإنتاج.

وبلغت جملة العائدات في النصف الأول من العام المالي 2021/2020 نحو 481 مليون دولار، يبلغ نصيب الحكومة منها بعد خصم حصة الشركات والولايات التي تقع فيها الآبار المنتجة 195 مليون دولار، مثلت 47% من دخل الحكومة.

وطمأن سلفاكير -في احتفال دولته بالاستقلال بالتاسع من الشهر الحالي- شعب جنود السودان قائلا “لن أعيدكم إلى الحرب مجددا، لنعمل جميعا معا للتعافي من العقد الأخير ووضع بلدنا على طريق التنمية”.

ورغم مؤشرات تحسن الاقتصاد الكلي فإن المواطن ما زال يعتمد على المساعدات الغذائية التي تقدمها وكالات الأمم المتحدة، والتي قالت في بيان بمناسبة إعلان الدولة إن 60% على الأقل من السكان يواجهون انعدام الأمن الغذائي، بينهم 108 آلاف شخص مهددون بالمجاعة بحسب برنامج الأغذية العالمي.

ووفق تصنيف البنك الدولي، فإن دولة جنوب السودان تقع ضمن البلدان الأقل دخلا بحوالي 1535 دولارا للفرد سنويا.

الخرطوم : عبد المنعم ابو ادريس

الجزيرة نت

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى